من تراب

السيد عيد
من تراب” ليست مجرد عبارة، إنها فلسفة. التراب ليس فقط الغطاء الذي يدفن الكنوز، بل هو الحارس الذي يقرر متى ومن يحصل عليها. وفي كل مرة تحاول فيها انتزاع شيء منه، يذكرك بحقيقة لا مفر منها: كلنا، في النهاية، نعود إليه. بات التراب متوجاً وجوه تماثيل العظماء والمشاهير في قلب العاصمة. تجلى حضوره في ملامح طلعت حرب ، ونجيب محفوظ، وحصان إبراهيم باشا، وكأنه حارس شخصي مرتفعًا فوق كل ركن من هذا الوطن وكأنه يعانق الزمن والتاريخ. بل امتد ليغمر إبراهيم باشا ومصر كلها .
التراب ليس مجرد مادة تغطي الأرض، بل هو شاهد على التاريخ، وحامل للذاكرة، وأحيانًا مرآة تعكس واقعنا. إنه رمز يجسد كل ما نحمله من أحلام، وتطلعات، وحتى إخفاقات. في مصر، يصبح التراب أكثر من ذلك بكثير؛ هو جزء من الهوية المصرية، يلامس حياتنا اليومية في كل زاوية.
التراب المصري ليس خاملاً؛ إنه كائن حي، يسافر عبر شوارع القاهرة المزدحمة، ويستقر على وجوه تماثيل العظماء، بدءًا من طلعت حرب وحتى حصان إبراهيم باشا في ميدان العتبة. وكأنه يؤكد حضوره المستمر كحارس على الإرث التاريخي. لكن هذا التراب ليس انتقائيًا؛ فهو لا يميز بين العظماء وعامة الناس.