تنمية بشريةمقالات

النسيان الانتقائي: لماذا يشعر الدماغ بأنه نسي شيئًا دون تحديده؟

كتبت / سالي جابر

أخصائية نفسية

هل مررت يومًا بلحظة تشعر فيها بأنك نسيت شيئًا مهمًا، لكنك لا تستطيع تذكّر ما هو؟ وكأن عقلك يقول لك: “في شيء ناقص”، ثم يتركك معلّقًا في حيرة مزعجة! هذا الشعور ليس غريبًا، بل هو جزء طبيعي من عمل الدماغ، وله تفسير علمي مدعوم بعدة دراسات في علم الأعصاب والنفس.

بين الذاكرة والتشتت: من المسؤول؟

تُقسَّم الذاكرة إلى أنواع، منها الذاكرة قصيرة الأمد التي تُخزن فيها المعلومات لبضع ثوانٍ أو دقائق، والذاكرة طويلة الأمد التي تُخزن فيها الخبرات والمعارف لفترات أطول. أحيانًا تمر المعلومة خلال الذاكرة قصيرة الأمد دون أن تُخزَّن بشكل فعّال، بسبب التشتت أو قلة التركيز، مما يخلق شعورًا بأن هناك شيئًا فُقد دون أن نعرف ما هو.

في دراسة نُشرت في مجلة Neuroscience عام 2011، أوضح باحثون من جامعة كاليفورنيا أن الدماغ عندما يُخطئ في استرجاع معلومة ما، فإنه لا يزال يحتفظ بإشارة خفيفة لوجودها، مما يسبب هذا الشعور الغريب بأن هناك شيئًا منسيًا.

ظاهرة “طرف اللسان” (Tip of the Tongue)

وهي من الظواهر المعروفة في علم النفس، وتعني أن الشخص يعرف المعلومة، ويكاد يذكرها، لكنه لا يستطيع الوصول لها. هذه الظاهرة تم دراستها في أكثر من تجربة، منها تجربة لعلماء النفس “براون وماكديل” (Brown & McNeill – 1966)، حيث طلبوا من المشاركين تعريف كلمات صعبة، فلاحظوا أنهم أحيانًا يعرفون أول حرف أو الإيقاع العام للكلمة دون تذكّرها كاملة، وهو ما يشير إلى أن المعلومة موجودة جزئيًا في المخ.

التوتر، النوم، والمشتتات: ثلاثي النسيان

أظهرت دراسة من جامعة هارفارد أن التوتر يثبط نشاط منطقة hippocampus (الحُصين)، وهي المسؤولة عن تكوين الذكريات، مما يؤدي إلى صعوبة في التذكّر. كما وُجد أن قلة النوم تضعف الروابط العصبية التي تُخزن الذكريات، مما يؤدي إلى شعور بالنسيان غير المبرر.

هل هو أمر طبيعي؟

نعم، بل هو دليل على أن الدماغ يعمل! أحيانًا الشعور بأنك نسيت شيئًا هو ببساطة محاولة من عقلك لإعادة ترتيب الأفكار. إذا أردت المساعدة في التذكّر، فجرب:

-تغيير مكانك أو نشاطك (لتنشيط الذاكرة بالمثيرات الجديدة).

-الكتابة العشوائية للأشياء التي كنت تفكر بها مؤخرًا.

-الاسترخاء أو حتى الاستحمام! لأن الدماغ يتذكر أحيانًا في لحظات الراحة المفاجئة.

العقل البشري أداة مذهلة، لكنه ليس كاملاً. فبين كل ذكرياتنا، هناك دائمًا لحظات ضائعة وأخرى عالقة في طرف اللسان. المهم أن نتعامل مع النسيان كجزء طبيعي من حياتنا، لا كعدوٍّ مرعب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى