رمضان.. شهر التوبة أم موسم الانفلات الأخلاقي؟

كتب/ د حمدان محمد
رمضان هو شهر الطاعة، شهر الرحمة والمغفرة، وهو فرصة عظيمة لكل مسلم كي يعود إلى الله ويجدد إيمانه، لكن للأسف، وسط الأجواء الإيمانية التي يعيشها البعض، نجد ظاهرة غريبة تتزايد، وكأن هناك من يسير عكس التيار، حيث يشهد الشهر الفضيل انفلاتًا أخلاقيًا عند بعض الشباب والفتيات، وكأنهم يتحررون من القيم والمبادئ بدلًا من التقرب إلى الله.
فهذه ظاهرة مقلقة.. وأخلاق مفقودة
فمن المفترض أن يكون رمضان محطة للتوبة، لكن على أرض الواقع، نجد بعض الشباب يستمرون في سلوكياتهم المنحرفة، بل ويزيدون منها، فنرى تجمعات السهر غير المنضبطة، وانتشار الملابس الفاضحة، وتبادل الأحاديث والضحكات في الطرقات بلا وازع من حياء أو التزام بآداب الشهر الكريم. وكأنهم يتعاملون مع رمضان على أنه مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بينما تبقى الأخلاق في إجازة.
ولعل الأخطر من ذلك هو تساهل بعض الأهل في تربية أبنائهم، حيث نجد بعض الأمهات يخرجن مع بناتهن بملابس غير محتشمة، فتتعلم الفتاة من أمها أن الحياء ليس ضروريًا، وأن العفة ليست أولوية. وكما قيل: “إذا كان رب البيت بالدف ضاربًا، فشيمة أهل البيت الرقص والطبل”. فكيف نطلب من الأبناء الصلاح والالتزام وهم يرون القدوة الحسنة غائبة في المنزل؟
فلم تعد الأسرة وحدها المسؤولة عن هذا الانفلات، فوسائل الإعلام تلعب دورًا كبيرًا في نشر الانحلال الأخلاقي، من خلال تقديم نماذج فارغة من القيم، وتعزيز ثقافة التحرر غير المنضبط. فترى الشباب والفتيات يتأثرون بمشاهير السوشيال ميديا أكثر من تأثرهم بالقرآن والسنة، ويقلدون أزياءهم وتصرفاتهم دون تفكير أو وعي.
وقد زادت هذه الظاهرة بسبب انشغال الآباء عن تربية أبنائهم، وغياب الرقابة داخل المنازل، فصار الأب مشغولًا بتأمين المصاريف، والأم منغمسة في حياتها، والنتيجة أن الأبناء يبحثون عن قدواتهم في الخارج، حيث لا يجدون سوى الفساد والانحراف.
وفي هذا الشهر الكريم لماذا نضيع فرصة العتق من النار؟
من رحمة الله بعباده أن جعل لهم في رمضان فرصة لا تتكرر، حيث يُعتق في كل ليلة عبادٌ من النار، قال النبي ﷺ: «إِنَّ لِلَّهِ عُتَقَاءَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ» (رواه أحمد). فكيف لعاقل أن يضيع هذه الفرصة العظيمة؟ كيف ينشغل البعض بالسهر واللغو والتبرج والانحراف، بينما هناك من يجتهد في العبادة، ويرجو أن يكون من العتقاء؟
إن العاقل من يدرك أن هذه الليالي المباركة قد تكون الأخيرة في عمره، فكم من أناس صاموا رمضان الماضي وهم الآن تحت التراب! فهل سنكون ممن يستغل الشهر في الطاعة، أم ممن يغفلون عنه حتى يضيع؟
فشهر رمضان.. فرصة للعودة إلى الله
وبالرغممن إنتشار هذه الظواهر السلبية، فإن أبواب التوبة مفتوحة، ورمضان فرصة لا تعوض للعودة إلى الله، قال تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ (آل عمران: 133). فبدلًا من استغلال رمضان في اللهو والتفاهات، لنستثمره في التقرب إلى الله، والابتعاد عن الفتن، وإصلاح النفوس.
إن الالتزام لا يقتصر على الصيام والصلاة، بل يشمل الأخلاق والسلوك. وعلى كل شاب وفتاة أن يسأل نفسه: هل أنا ممن يستغل رمضان في الطاعة أم في المعصية؟ وهل سأخرج من هذا الشهر بروح نقية أم أنني سأظل أسيرًا للملذات والشهوات؟
وهذه رسالة إلى الآباء والأمهات
أيها الآباء، أبناؤكم أمانة في أعناقكم، فكما تحرصون على إطعامهم وكسوتهم، احرصوا على تربيتهم وتقويم سلوكهم، فإنهم سيحاسبون أمام الله، وأنتم ستُسألون عنهم يوم القيامة. قال النبي ﷺ: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته» (متفق عليه). فلا تتركوا أبناءكم فريسة لوسائل الإعلام الفاسدة، ولا تكونوا قدوة سيئة لهم بسلوكياتكم.
فرمضان مدرسة تربوية عظيمة، فلنجعله نقطة تحول حقيقية، ولنغرس في أبنائنا القيم والمبادئ، ولنجعلهم يدركون أن التقوى ليست شعارات، بل هي سلوك وأخلاق تستمر طوال العام، وليس فقط في شهر الصيام.
فإن الله يفتح أبواب التوبة كل ليلة، فمن أراد النجاة، فليعد إلى ربه قبل أن يُقال: ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ﴾ (المؤمنون: 99-100)، وعندها لن يكون هناك رجوع!