الأدب

..”رسالة واتس آب”

 

بقلم/ انتصار عمار

في حقبة تاريخية ليست بقريبة ولا بعيدة، حقبة كانت تنعم بالإستقرار والأمن القومي، ولدت تلك الصغيرة المدللة.

ولدت لأسرة بسيطة، لأبوين مصريين، وقد حظيت بجمال تلك الحقبة المتفرعة من شجرة هذا الزمان آنذاك.

تلك الطفلة التي نمت فروعها
بين مناخ حار جاف صيفًا، دفيء ممطر شتاءً، وبين مناخ آخر شبه جاف إلى صحراوي جاف، هي*أنا*

لم يكن منزلنا قصرًا فارهًا، ولكنه كان منمقًا، منسقًا، فلقد صُمم على الطراز العثماني.

يحتوي على ركن للنباتات والأزهار، وركن للموسيقى والعزف، وحجرة الإجتماعات، كما أن به ركنًا للوحات والصور.

ومما يدعو للغرابة والدهشة؛ وجود صورة الملك التي كانت تزين حوائط منزلنا.

فقد كان منزلنا يحوي ما يقارب من مائة صورة لفخامة الملك، وكأننا نحيا في المتحف المصري.

كما كان الملك يتردد علينا كثيرًا بالزيارة، فلقد كانت تربطه بوالدي علاقة وثيقة جدًا.

فأبي كان يستجلب له بعض هياكل الطيارات وبعض الخردوات الهامة التي يحتاجها الجيش من أجل العدة والعتاد.

فبالطبع كان أبي بمثابة اليد اليمنى المساعدة لفخامته، والممول الأساسي، والممد الجيش بالذخيرة.

وأثناء تردد الملك على بيتنا لم يسعفني الوقت، ولو مرة واحدة لأستقبله، وأجلس معه.

فلقد كنت أغلب الأحيان برفقة آلاتي الموسيقية، أحيا وكلماتي، وأنغام ألحاني.

فكم كنت أهوى كتابة الشعر الغنائي، وعزف المقطوعات الموسيقية.

وفي إحدى المرات كنت بركن الموسيقى، عالمي الخاص بي، أعزف لحنًا لكلماتي، وأدندن به.

ولم أكن أعلم أن الملك قد أتى في اجتماع خاص مع أبي بحجرة المؤتمرات.

وأثناء ما كنت أتغنى باللحن الجديد إذ بيد تصفق تصفيقًا حارًا، وإذ بي ألتفت، لأجده الملك.

تبًا لهذا! كيف يدنو من ركني الخاص دون إستئذان؟
ويسمح لنفسه أن يستمع لعذب صوتي!

ليس هذا فقط، إنما قام بدعوتي على عُرس ابنته الشقراء، ذات العينين الزرقاوتين كزرقة ماء البحر حين تغطس فيه الشمس.

بل وطلب مني أيضًا أن أقوم بإعداد بعض الأغاني المناسبة لليلة العُرس، وأن أقوم بإحياء تلك الليلة.

فلقد هام بصوتي، وأثنى عليه جدًا، سافر الملك لبلدته، وبمجرد أن التفت الملك ليستقل سيارته، كي يسافر، إذ بأبي وأمي يهللون فرحًا.

وجلسا معي ليضعا خطة ليوم العرس هذا، وكيفية سفرنا، واستيل ملابسنا، و نوعية الزيارة التي نعدها لإبنة الملك
هدية عُرسها.

خرج من بين أضلعي صوت أجش، يخبر برفضي لإحياء تلك الليلة، تعجبت أمي بشدة، وثار أبي غاضبًا، مصيحًا؛ كيف ذلك؟ ولم؟

أودي وشي من الملك فين؟ أقول له إيه؟

وظل ينهرني، ويندد ويهدد بقطع المصروف عني إن لم أفعل.

ما كان لي أن أفعل سوى أن أكتب لصديقتي؛ *چاكلين*”
وقصصت لها الأمر، ولكني فوجئت بردها الذي يشبه
زعابيب أمشير.

قالت لي؛ وماله يا ابنتي، ما تروحي تغني، وفيها إيه؟
حد يطول؟ ياريتني أنا اللي كنت باغنى.

والنبي أنت طول عمرك تموتي في الفقر، يا ابنتي دا فرح، يعنى هيصة وزيطة، وبط، وفراخ، ومش بعيد يكون فيه كمان فخذة ضاني.

ناهيك بقى عن الناس ولاد الناس اللي هيكونوا حاضرين الفرح، واطقمت البدل والسواريهات، دنيا ثانية يا ابنتي.

وأكيد أكيد، والله ما استبعد إن التليفزيون يجي يصور، ما هو فرح بنت الملك.

قلت لها: لا تحاولي إقناعي، لن أغني، مستحيل.

قالت : مستحيل ليه بس؟

أخبرتها: في الحقيقة لا أستطيع الغناء دون أن أحتسي مشروبي المفضل” اليانسون”، والذي أرسلت دادة *”نعيمة”* كي تحضره لي من الإسكندرية.

قالت: مشروب؟ ودادة نعيمة؟ واسكندرية!! ياابنتي؛ دا على ما دادة نعيمة تيجي بالسلامة تكون العروسة اتجوزت وخلفت كمان.

قلت لها :أخبرتك أنني لن أذهب لأغني، يكفي فقط أن أعد أغاني العرس، وأقوم بتلحينها.

أخذت صديقتي”*چاكلين*” تحاول إقناعي، وأنا مصممة على رأيي، عجبًا لهؤلاء القوم!

كيف أغني دون كوب اليانسون؟ وكيف أغني دون نوتة موسيقية؟ فالمايسترو ذهب إلى رحلة صيد، ولن يعد الآن.

غضبت صديقتي مني وعاودت إلى منزلها، ومر يوم ولم تحدثني كما كانت تفعل من قبل، فأرسلت لها رسائل مكتوبة عبر واتس آب.

وحاولت أن أصالحها، وأن أُفهمها أنه لا يمكن الغناء دون مشروبي السحري، ودون نوتة موسيقية.

فقالت لي: لا يمكن أن ترفضي طلب الملك، فرديت عليها، قلت لها: ليه؟ هيعمل إيه يعني؟ هو فاكرني مطربة العرب؟

قالت لي: أنت كدا بتضري باباك، قلت لها: باباي!! *عبد العظيم بيه*، الموظف المحترم اللي أد الدنيا، في شركة مصر، اللي بيشتغل، ويكسب من عرقه.

ما هو زمان لا كان فيه ڤيبكس، ولا مزيل عرق.

وأثناء محادثتي مع “چاكلين” أرسلت رسالة عن طريق الخطأ للملك، توضح سبب رفضي للغناء في حفل عرس ابنته، وإن فخامة الملك ما يقدر يعمل شيء.

هو فاكرني” *عدوية*” لما غنى لبنت السلطان؟

نسى زلعة المش اللي كان بابا بيجيبها له من الست الفلاحة اللي على ناصية شارعنا؟

ويآخذنا يا عيني ويسافر بينا في الباص عشان ندخل بيها زيارة لفخامته؟ نسى؟

ولا حلة الملوخية بطشة الثوم من إيد ماما اللي كانت ريحتها بتجري الناس من الشعرية ل باب اللوق!

قرأ الملك رسالتي التي كتبتها لصديقتي، ولكنها وصلته عن طريق الخطأ، فاستاء جدًا، واشتاط غيظًا.

وأصدر فرمانًا بقطع العلاقات بيننا وبينه، وعدم التواصل معه نهائيًا بأي شكل من الأشكال سواء كان واتس آب، أو ماسنچر، أو تيليجرام.

كما أوقف التعامل نهائيًا مع محل الخردوات بتاع عم *وليد* اللي على ناصية الشارع.

وأوصى حراس القصر بمنع دخول الجبن الحادق، وزلعة المش إلى القصر، وبالتالي غلق جميع أبواب القصر في وجه أي منا، ومسح البلاط الملكي به، وكأننا أكياس أريال

*وهكذا دمرت رسالة واتس آب علاقتي السياسية بدولة عظمى*
….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى