رمضان بعيون مغتربة

بقلم: رانيا ضيف
يتميز شهر رمضان في مصر بطابع خاص يجمع بين الروحانية والاحتفال. هو ليس مجرد شهر صيام وعبادة، بل مناسبة اجتماعية تتجلى فيها مشاعر البهجة والتكاتف. ولأن الشعب المصري بطبيعته عاطفي ويعشق الأجواء الاحتفالية منذ فجر التاريخ، فإن مظاهر رمضان تمتد إلى كل زاوية من الحياة اليومية، حيث تكتسي الشوارع بالزينة، ويتردد صوت المسحراتي، وتمتلئ الأسواق برائحة الياميش والكنافة والقطايف، بينما تتعالى الأغاني الرمضانية التي نشأنا عليها، مثل “رمضان جانا” و”وحوي يا وحوي”.
أما للمغترب، فالأمر مختلف تمامًا. مع اقتراب الشهر الكريم، يعود الحنين ليطرق القلوب، مستعيدًا ذكريات الطفولة والسهر مع العائلة والجيران لتعليق الزينة، ومدفع الإفطار، والتسابق في ختم القرآن، وعزومات اليوم الأول، والتزاور بعد التراويح. فلا يمكن لأي مكان أن يعوض هذا الدفء.
في السنوات الأولى من الغربة، يبدو رمضان ثقيلًا، يفتقد دفء العائلة وطقوس الوطن، حيث تغيب الأجواء المألوفة التي تجعل الشهر مختلفًا عن بقية العام. لا المسحراتي يجوب الشوارع، ولا الأطفال يلهون بالفوانيس، ولا تتزين الشوارع كما اعتدنا في مصر. لكن مع مرور الوقت، يتعلم المغترب كيف يخلق لنفسه أجواءً بديلة تعيد إليه شيئًا من عبق الذكريات، فيبدأ في التركيز على الجوانب الروحانية، ويستثمر وقته في العبادات والتأمل الذاتي، بينما تقوم صداقات الغربة ببعض التعويض عن غياب العائلة، من خلال التجمعات والعزائم الرمضانية.
لكل بلد طبيعته وعاداته، ورغم أن السعودية تحظى بمكانة خاصة كونها مهد الإسلام، إلا أن طابع رمضان هناك يختلف عن مصر. في المملكة، يغلب الجانب الديني على الأجواء الرمضانية، حيث يركز الناس على أداء العبادات، بينما تقل المظاهر الاحتفالية التي اعتدنا عليها في مصر. منذ سنوات، لم يكن هناك فرق واضح بين رمضان وبقية الشهور، سوى في تأخر صلاة العشاء نصف ساعة ليتمكن الناس من الإفطار على مهل، حيث يكون الفطور في الغالب على التمر واللبن والشوربات الخفيفة، بينما تُقدَّم الوجبات الرئيسية بعد التراويح.
لكن هناك جانبًا مميزًا في العادات السعودية، وهو احتفال الأطفال بحلول رمضان عبر توزيع الحلويات والألعاب على سكان العمارات، في تقليد يعزز الألفة والمودة بين الجيران.
في السنوات الأخيرة، ومع تزايد أعداد المصريين في المملكة، بدأت بعض المظاهر الرمضانية المصرية تتسلل إلى الشوارع والمجمعات التجارية والفنادق. أصبح من المعتاد رؤية الزينة والأضواء تُعلق على الأشجار ومداخل المولات، كما بدأت بعض المطاعم تتبنى الطابع المصري، فتزينت بالفوانيس، وبدأت تقدم أطباق الكنافة والقطايف إلى جانب التمر والقهوة العربية. حتى بعض الفنادق الكبرى أصبحت تعتمد ديكورات رمضانية مستوحاة من الثقافة المصرية، ما جعل المغتربين يشعرون ببعض الدفء الذي افتقدوه.
ورغم كل هذه التغيرات، يبقى رمضان في مصر تجربة لا مثيل لها، حيث تمتزج الروحانيات بالبهجة في مشهد لا يتكرر في أي مكان آخر، وهو ما عبّر عنه الفنان حسين الجسمي بقوله: “رمضان في مصر حاجة تانية”.
وما يؤلم المغتربين أكثر هو أن أطفالهم لم يعيشوا نفس الأجواء الرمضانية التي نشأوا عليها، فلم يعد لديهم ذلك الشغف بسماع “ألف ليلة وليلة” قبل الإفطار، أو انتظار “بوجي وطمطم”، مما خلق فجوة بين الأجيال. لكن يظل رمضان شهرًا مباركًا أينما حللنا، فمهما اختلفت الأجواء والطقوس، تبقى الروحانيات والصفاء النفسي جوهر هذا الشهر الكريم، وهو ما يجعلنا نبحث دائمًا عن الطرق التي تعيد إلينا بعضًا من سحره المفقود.