سامح بسيوني
في عالم النباتات، هناك في صحراء شاسعة تمتليء بالاسرار لا يعلمها إلا مخرج الكمائن وكاشف ما في الصدور، نري في تلك البادية ملك مجهول يخفي نفسه في عظمة وإجلال وراء ستار فهو مختلف الالوان: فمنه الخضراء والصفراء والبيضاء، فهى ألوان تسر الناظرين، إنه الخردل الذي ضرب به المثل في منتهى الصغر والحجم.
أيها الخردل شرفت بأنك ذكرت في آيات الذكر على لسان لقمان الحكيم، فنلت شرفًا إلى يوم الدين.
لذلك صرت ملكًا شجاعًا نتعلم منك القوة والصبر على الشدائد في المحن والرضا عند السراء والتسليم بقضاء الله عند الضراء.
أيها الشجاع في وقت غابت في الشجاعة والاقدام وغربت وراء ضباب وسحب تنذر بالغيث الوفير؛ نقف أمامك مندهشين متحيرين كيف تنمو في أماكن صعبة جافة صخرية؟ وزاد التعجب بك عندما قاومت الأماكن الملوثة، فاستطعت بقدرة خارقة تمتص سمومًا، وتعيش أنت بعد معركة أشتد فيها الوطيس والالتحام.
أيها الذكي العبقري، يا من استطعت التكييف مع بيئتك مع تلك التغييرات المناخية الغادرة كتقلبات الأيام القاسية، فقاومت التيار وأصبحت نموذجًا يحتذى به سالف الدهر والأزمان.
جمالك يبهرني دائمًا فقد حباك مقسم الأرزاق، بألوان مختلفة فمنها خضراء كالباس أهل الجنة وبيضاء كملائكة الرحمن وصفراء كبقرة فاقع لونها تسر الناظرين؛ فنقف أمامك متأملين عظمة الخالق المبدع المصور الحكيم.
فيك الفوائد جمة، ولا منة ولا فضل، فكل فضل راجع إلى الله الواحد الصمد، فأيها المجهول ليس فيك عيب، وإنما العيب فينا لجهلنا بك وعلمنا الضئيل عنك، لذلك وقفنا أمامك اليوم، نتعلم منك الاصرار والعزيمة على الحق، والصبر الذي ليس فيه جزع وأنما هو الرضا والتسليم بالقضاء والقدر.
في صغر حجمك، بلغ الحكيم ابنه بأن عمله مطلع عليه عالم الاسرار، فمهما بلغ كبر عمله أوصغر أو كان في صخرة فبلا شك يأت بها الله.
فألم يأن لك يا من تجبرت وتكبرت، ونسيت بأنك خلقت من طين؟! بأن تأخذ منه العبر وتعلم بأن الأمر كله لله؟
