ملفات و تحقيقات

ظاهرة التسول: الأسباب، الآثار، وطرق المكافحة

كتبت: د. إيمان بشير ابوكبدة 

التسول ظاهرة اجتماعية معقدة ومتعددة الأوجه، تشكل تحديًا كبيرًا للعديد من المجتمعات حول العالم. لا تقتصر هذه الظاهرة على بعدها الاقتصادي فحسب، بل تمتد لتشمل أبعادًا اجتماعية، نفسية، وأمنية خطيرة. لفهم كيفية مكافحتها بفعالية، يجب أولاً تحليل أسبابها المتجذرة وآثارها السلبية على الفرد والمجتمع.

أسباب ظاهرة التسول

تتداخل مجموعة من العوامل لتوليد وتفاقم ظاهرة التسول، ومن أبرزها:

  الفقر والحاجة الاقتصادية: يُعد الفقر المدقع والبطالة وضعف الدخل من الأسباب الرئيسية التي تدفع الأفراد إلى التسول كوسيلة للبقاء على قيد الحياة. عدم توفر فرص عمل كافية أو وجود أجور متدنية للغاية يجبر البعض على البحث عن مصادر دخل بديلة، حتى لو كانت عن طريق التسول.

ضعف شبكات الأمان الاجتماعي: في كثير من الأحيان، يكون غياب أو ضعف برامج المساعدات الاجتماعية والرعاية الأسرية سببًا في لجوء البعض إلى التسول. عندما لا تتوفر مظلة حماية كافية للأشخاص المحتاجين (كبار السن، الأيتام، ذوي الاحتياجات الخاصة، المرضى)، يجدون أنفسهم مضطرين لمد أيديهم طلباً للمساعدة.

التفكك الأسري والمشاكل الاجتماعية: يمكن أن يؤدي التفكك الأسري، العنف الأسري، أو هروب الأطفال من المنازل إلى دفعهم نحو الشارع وبالتالي الانخراط في التسول. كما أن بعض الأسر قد تستغل أطفالها أو أفرادها العاجزين في التسول.

الإعاقة والأمراض المزمنة: يواجه الأشخاص ذوو الإعاقة والأمراض المزمنة صعوبات بالغة في الحصول على عمل أو رعاية صحية، مما يجعلهم عرضة للتسول كوسيلة لتغطية نفقاتهم.

الاستغلال والاتجار بالبشر: للأسف، تستخدم ظاهرة التسول كغطاء لأنشطة إجرامية أخطر، مثل استغلال الأطفال والنساء في شبكات التسول المنظم، حيث يتم إجبارهم على التسول وسحب أموالهم منهم.

العوامل الثقافية والاجتماعية: في بعض المجتمعات، قد تسهم بعض المفاهيم الخاطئة حول الصدقة والتبرع في استمرار ظاهرة التسول، حيث يتم تشجيع التسول بشكل غير مباشر دون البحث في الأسباب الحقيقية.

النزاعات والحروب: تؤدي النزاعات المسلحة والكوارث الطبيعية إلى نزوح أعداد كبيرة من السكان وتدمير البنى التحتية، مما يخلق بيئة خصبة لازدهار التسول.

الآثار السلبية لظاهرة التسول

تترك ظاهرة التسول آثاراً سلبية عميقة على الفرد والمجتمع:

 تدهور صورة المجتمع وجمالياته: يؤثر انتشار المتسولين بشكل سلبي على المظهر العام للمدن ويقلل من جاذبيتها.

  المخاطر الأمنية: قد يكون المتسولون عرضة للاستغلال في أنشطة إجرامية، أو قد يتحول بعضهم إلى السرقة أو النشل لسد حاجاتهم.

المخاطر الصحية: يعيش المتسولون في ظروف صحية سيئة، مما يجعلهم عرضة للإصابة بالأمراض ونقل العدوى.

  الآثار النفسية على المتسولين: يتعرض المتسولون، خاصة الأطفال، لصدمات نفسية، وفقدان الكرامة، وشعور بالدونية، مما يؤثر على نموهم النفسي والاجتماعي.

تأثيرها على العمل الخيري المنظم: قد تؤدي ظاهرة التسول إلى تراجع ثقة الناس في العمل الخيري المنظم، وتوجيه التبرعات إلى التسول العشوائي بدلاً من الجهات الموثوقة.

سبل مكافحة ظاهرة التسول

تتطلب مكافحة ظاهرة التسول اتباع نهج شامل ومتكامل يرتكز على عدة محاور:

المحور الاقتصادي والتنموي

 توفير فرص عمل: يجب على الحكومات والقطاع الخاص العمل على خلق فرص عمل كافية للشباب وغيرهم من الفئات القادرة على العمل، مع التركيز على المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

 برامج التمكين الاقتصادي: توفير التدريب المهني وتنمية المهارات اللازمة لدخول سوق العمل، ومساعدة الأفراد على بدء مشاريعهم الخاصة.

 تحسين الأجور والحد الأدنى للأجور: ضمان أجور عادلة تضمن حياة كريمة للأفراد والأسر.

المحور الاجتماعي والرعوي

تفعيل شبكات الأمان الاجتماعي: تعزيز برامج المساعدات الاجتماعية للأسر المحتاجة، كبار السن، ذوي الإعاقة، الأيتام، والأرامل.

 دعم الأسر الفقيرة: تقديم الدعم المادي والمعنوي للأسر التي تعاني من الفقر لمساعدتها على تجاوز ظروفها الصعبة.

إنشاء وتفعيل دور الرعاية الاجتماعية: توفير مأوى ورعاية شاملة للمشردين، كبار السن الذين لا عائل لهم، الأطفال المتسولين، وذوي الاحتياجات الخاصة.

برامج إعادة التأهيل: تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للمتسولين لمساعدتهم على الاندماج في المجتمع.

المحور التشريعي والأمني

تطبيق القوانين بصرامة: تفعيل القوانين التي تجرم التسول المنظم واستغلال الأطفال والنساء في التسول، وملاحقة الشبكات الإجرامية المتورطة.

التنسيق بين الجهات الأمنية والاجتماعية: تكثيف الحملات المشتركة لضبط المتسولين، خاصة الأطفال، وتحويلهم إلى دور الرعاية.

تعديل القوانين: مراجعة القوانين المتعلقة بالعمل الخيري والتبرعات لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها ومنع استغلالها.

المحور التوعوي والثقافي

حملات التوعية: إطلاق حملات توعية مكثفة في وسائل الإعلام والمدارس والمساجد لتثقيف الجمهور حول خطورة ظاهرة التسول، وحثهم على تقديم المساعدات عبر القنوات الرسمية والمؤسسات الخيرية الموثوقة.

تعزيز ثقافة التكافل الاجتماعي: تشجيع روح التعاون والتكافل بين أفراد المجتمع لمساعدة المحتاجين.

التركيز على التعليم: توفير فرص التعليم للجميع، خاصة الأطفال، لمنع تسربهم من المدارس وانخراطهم في التسول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى