الطيبة.. تاج الأخلاق ونور القلوب

بقلم أحمد حسنى القاضى الأنصاري
في عالمٍ يموج بالتقلُّب والمادّية، تظل الطيبة جوهرة نادرة، لا يعرف قيمتها إلا أصحاب القلوب النقية.
الطيبة ليست مجرّد صفة عابرة، بل هي مبدأٌ راسخ، وأصلٌ من أصول الإنسانية، ومقياسٌ حقيقيّ لرُقيّ النفس وسموّ الأخلاق.
الطيب لا يعني ضعيفًا، بل هو إنسان قويّ يملك السيطرة على نفسه حين تغلب الآخرين أهواؤهم.
هو من يُحسن إلى من أساء، ويعفو عند المقدرة، ويبتسم في وجه الكاره، ويعطي دون أن ينتظر المقابل.
هو من يُنصت بقلبه، ويُؤثر غيره على نفسه، ويُراعي شعور الجميع، حتى إن كان هو الأَولى بالعناية والرعاية.
الطيبة لا تنبع من فراغ، بل هي ثمرة تربية نقية، وعقل راجح، وقلبٍ يفيض إيمانًا ورحمة.
الطيبون ليسوا أغبياء، بل عقلاء يُدرِكون كل شيء، لكنهم يُفضّلون الستر على الفضيحة، والصفح على الانتقام، والتجاوز على التشدد.
وقد علّمنا رسول الله ﷺ أن الطيبة من صفات أهل الجنة، فقال:
“ألا أُخبركم بمن يحرم على النار؟ على كلّ قريبٍ هَيِّنٍ، سهلٍ، لينٍ”.
فهم أصحاب القلوب البيضاء، لا يحملون حقدًا ولا ضغينة، ولا يعرفون طريق الخداع أو النفاق.
الطيبة ليست ضعفًا أو قلة حيلة، بل هي سلاحٌ قويّ في مواجهة صعوبات الحياة.
عندما يتعامل الإنسان بلطف مع الآخرين، لا يعني ذلك أنه ضعيف أو مستسلم، بل بالعكس، هو شخص يملك الشجاعة للقيام بالاختيار الأصعب، وهو أن يتعاطى مع العالم من حوله بحسن نية، في حين أن الكراهية والتعامل بعنف قد يُفسحان المجال لفقدان الإنسانية.
الطيبة تفتح قلوب الآخرين وتزيد من قوة العلاقات الإنسانية، فهي لغة يفهمها الجميع دون حاجة إلى ترجمة.
حينما تكون طيبًا مع الآخرين، تعكس للعالم صورة من التسامح والرغبة في العيش بسلام. إنها المبدأ الذي يزيل كل الحواجز ويبني جسور التواصل بين الأرواح.
الطيبة تعني أن تكون معطاءً، لا لشيء سوى أنك تريد أن تُسعد الآخرين وتُريح قلوبهم، دون أن تنتظر منهم شيئًا. هي تلك القوة التي تجعل من المرء مصدر نور للآخرين في أوقات الظلام.
في النهاية، نقول إن الطيبة لا تموت، بل تزداد إشراقًا مع مرور الزمن، وتظل حية في النفوس الطيبة، مهما حاول البعض إطفاءها. لأنها ببساطة، هي النور الذي لا يطغى عليه الظلام.