د.نادي شلقامي
السودان على حافة الخطر المائي: هل يبتلع النيل حياة الملايين؟
دقَّ ناقوس الخطر في السودان مطلع هذا الأسبوع، ليس بسبب نزاع سياسي أو أزمة اقتصادية معتادة، بل بفعل القوة الجامحة للطبيعة. مع تسارع غير مسبوق في وتيرة ارتفاع منسوب المياه على طول الشريانين الرئيسيين للبلاد – نهري النيل الأزرق والأبيض – أصدرت السلطات تحذيرًا عاجلاً من فيضانات وشيكة ومُدمِّرة. المشهد يتجاوز مجرد ارتفاع عادي لمنسوب النهر؛ إنه سباق مع الزمن حيث يُهدِّد فائض المياه بابتلاع مساحات شاسعة، ووضع حياة الملايين في مرمى أمواج النيل الهادرة.
في المعطيات:
– أكدت وزارة الري والموارد المائية السودانية استمرار ارتفاع المناسيب على ضفاف النيل خلال هذا الأسبوع، مشيرة إلى أن عددا من المحطات والولايات والأنهار بلغ منسوب الفيضان، وهي: محطات ود العيس (سنجة)، الخرطوم، مدني، شندي، عطبرة، بربر، وجبل أولياء، إضافة إلى ولايات النيل الأزرق، سنار، الجزيرة، الخرطوم، نهر النيل، والنيل الأبيض، فضلاً عن أنهار النيل الأزرق (الديم–الخرطوم)، والنيل الأبيض (الجبلين–الخرطوم)، والنيل (الخرطوم–دنقلا). كما وصلت مياه الفيضان إلى بعض الأحياء الطرفية على ضفاف النهر في ولايتي النيل الأبيض والخرطوم.
– ذكر خبراء أنه منذ افتتاح سد النهضة في 9 سبتمبر ارتفع تصريف المياه من السد إلى أكثر من 450 مليون م³ يومياً، وبلغ ذروته 750 مليون م³ خلال الأيام الخمسة الأخيرة، قبل أن ينخفض قليلاً إلى 699 مليون م³، لكنه يظل أعلى من ضعف الإيراد الطبيعي في هذا الوقت (300 مليون م³ تقريباً).
– تقول إثيوبيا إن الفيضانات في السودان ناجمة عن النيل الأبيض، وإن السد خفف من آثارها الكارثية عبر تخزين جزء من المياه، نافية المسؤولية الكاملة عن الأضرار.
– امتنع وزير المياه الإثيوبي هابتامو إيتيفا جيليتا يوم الاثنين عن الإجابة لسؤال صحفي حول توقف التوربينات عن العمل، لم يجب مباشرة، لكنه أقر بفتح بوابات الخزان قائلاً: “لم نصرّف المياه الزائدة”.
تحليل:
بدأت إثيوبيا تفريغ مياه سد النهضة ضمن إجراءات إدارة الفائض وتشغيل التوربينات وآليات التحكم الأخرى، وفق مصادر إعلامية. وتشير التحليلات إلى أن فتح بوابات التصريف أو التخلص من المياه الزائدة يُعد خياراً طبيعياً عند امتلاء الخزان أو الحاجة لتخفيف الضغط على الحوض الخلفي للسد، وهو ما يتوافق مع استمرار عملية الملء وتجدد هطول الأمطار الغزيرة في إثيوبيا.
ويرى الخبراء أن إثيوبيا أخطأت بملء البحيرة بكامل سعتها قبل الانتهاء من تركيب جميع التوربينات الـ 13، وقبل انتهاء موسم الأمطار في أكتوبر، بسبب الافتتاح الرسمي، مما اضطرها لاحقاً إلى تفريغ المياه، مع تجدد هطول الأمطار الاستثنائية على الهضبة الإثيوبية، والتي تغذي النيل الأزرق بنحو 60% من مياه النيل وتشكل إحدى الأسباب الرئيسية لحدوث الفيضانات في السودان. ومع ذلك، فإن التصريف المفاجئ وغياب التنسيق مع السودان يعكسان قصوراً في إدارة التشغيل الفني.
كان من المتوقع أن يحقق سد النهضة، بحجمه الكبير وأهدافه المعلنة، دوراً في تنظيم تدفقات النيل من خلال الحد من الفيضانات في مواسم الأمطار الغزيرة وزيادة التصريف في فترات الجفاف. غير أن هذا الهدف لن يتحقق إلا بوجود قواعد ملء وتشغيل واضحة وشفافة يتم الاتفاق عليها مع دول المصب (مصر والسودان)، وهو ما لم يحدث حتى الآن بسبب غياب اتفاق شامل بين الدول الثلاث بشأن إدارة السد.
بدء الفيضان في السودان حالياً يكشف مشكلة عدم التنسيق الفني بين إثيوبيا ودول المصب، ويزيد المخاوف من تداعيات أزمة سد النهضة على أمن المنطقة واستقرارها.
لا يمكن اعتبار فيضانات السودان الحالية فشلاً كاملاً لسد النهضة، لكنها تعد مؤشراً على ضعف التنسيق الفني وغياب اتفاق ملزم لإدارة السد.
تكشف الفيضانات أن التشغيل الأحادي يجعل من الصعب التنبؤ بمناسيب المياه، ويتسبب بأضرار لدول المصب ويزيد التوترات السياسية مع إثيوبيا.
يتوقع الخبراء انخفاض تصريف مياه سد النهضة خلال الفترة المقبلة، مع وصول منسوب البحيرة إلى مستوى التخزين الطبيعي (638 متراً)، ليقتصر التصريف بعدها على الإيراد اليومي فقط.
في حال دخول التوربينات الخدمة قريباً، فسيتم تمرير الإيراد السنوي من خلالها. أما إذا استمر تعطلها، فلن يكون هناك بديل سوى فتح بوابات لتصريف المياه بقدر الإيراد اليومي، مما يعني استمرار الأزمة.
