المسجد.. بيت الله ومتنفس للقلوب بين العبادة والترفيه

د/حمدان محمد
المسجد هو بيت الله تعالى ومكان العبادة والطاعة، وهو المدرسة التي يتخرج منها المسلمون على قيم الإسلام ومبادئه. وقد جعله الله موضعًا للسكون والسكينة، حيث يتوجه المسلمون إليه للصلاة وذكر الله وتلقي العلم. لكن في الآونة الأخيرة، أصبحت بعض المساجد ساحة لعب للأطفال، مما يثير تساؤلات حول حدود السماح للأطفال باللعب فيها، ودور العلماء والشيوخ في ذلك.
ولا شك أن اصطحاب الأطفال إلى المساجد أمر محمود لتربيتهم على حب الصلاة وتعظيم بيوت الله. فقد كان النبي ﷺ يرحب بوجود الأطفال في المسجد، بل كان يحمل حفيديه الحسن والحسين في الصلاة. لكن ما يجب التأكيد عليه هو تعليم الأطفال آداب المسجد واحترام قدسيته، بدلاً من تحويله إلى مكان للعب والضجيج.
ويخطئ من يظن أن وجود الأطفال في المسجد مصدر إزعاج دائم. بل على العكس، فإن السماح للأطفال بالتواجد واللعب بشكل منضبط داخل المسجد يمكن أن يرسخ في نفوسهم حب بيوت الله منذ الصغر. وإذا تعامل العلماء والشيوخ مع الأطفال بلطف وحب، فإنهم سيحبون القدوم إلى المسجد، وسينشأ لديهم ارتباط إيجابي به.
وإن محاولة منع الأطفال تمامًا من دخول المسجد أو اللعب فيه قد تؤدي إلى نتائج سلبية على المدى الطويل. إذا كبر الأطفال بعيدًا عن المسجد، فقد يفقدون الشعور بالانتماء إليه، مما يزيد من احتمالية انحرافهم في المستقبل. ولعل من أبرز المخاطر هنا أن يكبر هؤلاء الشباب في الشوارع دون رادع ديني، مما يعرضهم للانحراف في سلوكيات غير مقبولة كالتورط في العنف أو تعاطي المخدرات.
ومن المهم أن يقوم العلماء والشيوخ بدور تربوي داخل المسجد، حيث يتفاعلون مع الأطفال بأسلوب إيجابي ومحفز. لا مانع من الترفيه المعتدل الذي يربط الطفل بالمسجد ويجعله يشعر بالألفة والراحة. فبدلاً من الزجر والنهر، يمكن تنظيم أنشطة تربوية داخل المسجد تراعي الفئة العمرية للأطفال، مما يساهم في ترسيخ القيم الدينية في نفوسهم.
كما يمكن للآباء والأمهات أن يساعدوا في توجيه أطفالهم نحو السلوك الحسن داخل المسجد. من ذلك:
1. التوضيح المسبق: قبل الذهاب إلى المسجد، يجب تعليم الطفل آداب الجلوس والهدوء.
2. المراقبة: على الوالدين متابعة أبنائهم أثناء الصلاة وعدم تركهم يعبثون.
3. التوجيه برفق: إذا صدر خطأ من الطفل، ينبغي توجيهه بلطف دون تعنيف.
4. تنظيم الأنشطة: يمكن تخصيص بعض الأنشطة البسيطة للأطفال في ساحات المسجد بعد الصلاة، بعيدًا عن قاعة الصلاة.
5. التشجيع والتحفيز: مكافأة الطفل على سلوكه الجيد داخل المسجد، سواء بالكلمة الطيبة أو بالهدايا الرمزية.
وفي النهاية، المسجد ليس مكانًا للمنع المطلق ولا للانفلات العشوائي. إنما هو بيت الله الذي ينبغي أن نحافظ على قدسيته. على العلماء أن يوضحوا للآباء أهمية تربية الأطفال على احترام المسجد، وعلى المجتمع أن يتكاتف للحفاظ على هذا المكان الطاهر، ليظل موئلًا للطمأنينة والعبادة وراحة القلوب. إذا أحب الأطفال المسجد منذ صغرهم، فإنهم سيكبرون على حب الدين وقيمه، مما يسهم في بناء جيل صالح يحمي المجتمع من الانحرافات والمخاطر.