محمد غريب الشهاوي
الحج ليس مجرد رحلة جسدية إلى بيت الله الحرام، بل هو سفر روحي عظيم، يغتسل فيه القلب من أدران الدنيا، وتعلو فيه الروح فوق الشهوات، وتتوحد فيه القلوب على ذكر الله وتلبية ندائه.
قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: 97]، فالحج فريضة من فرائض الإسلام، وركن من أركانه الخمسة، لا يسقط عن المسلم القادر، وهو عبادة تجمع بين الجسد والروح، بين العمل والنية، وبين الطاعة والصبر.
الحج… وقفة مع النفس
حين يُحرم المسلم من الميقات، يخلع عن نفسه لباس الدنيا، ويكتسي بلباس التواضع والخضوع، ليبدأ رحلة خالصة إلى الله. يقف بعرفة، فيتذكر يوم الوقوف بين يدي الله، ويرمي الجمرات، كأنه يرمي ذنوبه ويجدد عهده مع ربه، ويطوف بالبيت، وكأن قلبه يطوف مع قدميه، مشتاقًا إلى مغفرة الله ورضاه.
فضل الحج وثمراته
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ قال: “من حج فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه” [متفق عليه]. فالحج المبرور هو الحج الذي لا يخالطه معصية، ولا يشوبه رياء، جزاؤه الجنة، ومغفرة الذنوب، وصفاء القلب.
الحج مدرسة تربوية عظيمة، يعلم المسلم الصبر، النظام، الإخلاص، المساواة، والزهد في الدنيا، كما يُعد فرصة لتجديد العهد مع الله، وتصفية ما بين العبد وربه، وما بينه وبين الناس.
خاتمة: نداء يتجدد كل عام
يتجدد نداء الله في كل عام: “وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق” [الحج: 27]، فيلبّي من كتب الله له القبول، ويشتاق من لم يُكتب له بعد.
فليكن لنا من شوق الحجيج نصيب، ولندعُ الله أن يرزقنا حجًا مبرورًا وسعيًا مشكورًا، وأن يجعلنا من عباده الذين إذا دُعوا لبوا، وإذا ناداه ربهم أجابوا.
