تشير دراسة إلى أن جرعة محددة فقط من السيلوسيبين تسبب تأثيرات تشبه مضادات الاكتئاب لفترة طويلة

د. إيمان بشير ابوكبدة
وجدت دراسة جديدة نُشرت في مجلة “التقدم في علم الأدوية العصبية والطب النفسي البيولوجي” أن جرعة واحدة معتدلة من السيلوسيبين تُحدث تأثيرات سريعة ودائمة تُشبه مضادات الاكتئاب لدى الفئران، دون الآثار الجانبية غير المرغوب فيها التي تُلاحظ عند تناول جرعات أعلى. وأظهر الباحثون أن جرعة متوسطة فقط تُحسّن السلوكيات المرتبطة بالمزاج والتفاعل الاجتماعي، مع تجنب تغيرات درجة حرارة الجسم، والحركة، وزيادة الوزن.
السيلوسيبين هو المادة الفعالة في ما يُسمى بالفطر السحري. وهو مركبٌ مُهلوس يُغير الإدراك والوعي، وقد اكتسب اهتمامًا متزايدًا كعلاجٍ مُحتمل للاكتئاب، خاصةً لدى الأفراد الذين لم يستجيبوا لمضادات الاكتئاب التقليدية. وقد أظهرت التجارب السريرية أن جرعةً واحدةً من السيلوسيبين يُمكن أن تُؤدي إلى تحسنٍ ملحوظٍ في الأعراض، يستمر أحيانًا لأسابيع أو أشهر. ومع ذلك، نظرًا لقدرته على إحداث تأثيراتٍ هلوسةٍ قويةٍ وتغيراتٍ فسيولوجيةٍ أخرى، لا يزال العلماء يعملون على تحديد الجرعة الأكثر أمانًا وفعاليةً.
في هذه الدراسة الجديدة، سعى فريق من الباحثين بقيادة لينكا سيلير من جامعة تشارلز في براغ إلى فهم العلاقة بين جرعة السيلوسيبين وتأثيراتها السلوكية والفسيولوجية في نموذج حيواني. ومن خلال اختبار مجموعة من الجرعات، أملوا في تحديد كمية السيلوسيبين التي تُنتج فوائد علاجية مع تقليل الآثار الجانبية.
استخدم الباحثون 40 جرذًا ذكرًا من نوع ويستار، وقسموها إلى خمس مجموعات. تلقت كل مجموعة إما حقنة ملحية للتحكم، أو إحدى جرعات السيلوسيبين الأربع: 0.1، 0.32، 1.0، أو 3.2 ملليغرام لكل كيلوغرام من وزن الجسم. تضمن تصميم الدراسة اختبارات سلوكية متعددة لتقييم التأثيرات الشبيهة بمضادات الاكتئاب، والتفاعل الاجتماعي، واستجابات المتعة. كما راقبوا الآثار الجانبية، مثل تغيرات درجة حرارة الجسم، والحركة، وزيادة الوزن. بالإضافة إلى ذلك، فحصوا ما إذا كان السيلوسيبين يُغير مستويات عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ (BDNF)، وهو بروتين يُشارك في مرونة الدماغ، وغالبًا ما يرتبط بالاكتئاب.
لتقييم التأثيرات الشبيهة بمضادات الاكتئاب، استخدم الباحثون اختبار السباحة القسرية، وهو اختبار سلوكي قياسي يُجرى على نماذج حيوانية للاكتئاب. في هذه المهمة، يُعتبر قلة الحركة وزيادة السلوكيات النشطة، مثل التسلق، دلائل على حالة سلوكية أكثر تفاؤلاً أو تحفيزاً. كما استخدموا اختبار تفضيل السكروز لتقييم الحساسية للمكافأة، واختبار التفاعل الاجتماعي لقياس القدرة على الاختلاط. أُعيد كل اختبار على مدار عدة أسابيع لتقييم التأثيرات الفورية وطويلة المدى.
وجد الباحثون أن جرعة 0.32 ملغ/كغ من السيلوسيبين كان لها أقوى تأثير شبيه بمضادات الاكتئاب. كانت الفئران التي تلقت هذه الجرعة أكثر نشاطًا في اختبار السباحة القسرية، وقضت وقتًا أطول في التفاعل الاجتماعي، وأظهرت تفضيلًا أكبر للماء المُحلى، وهو مؤشر على زيادة الحساسية للمتعة. والأهم من ذلك، أن هذه التأثيرات كانت واضحة بعد العلاج بفترة وجيزة وبعد أسابيع، مما يشير إلى أن الفوائد كانت طويلة الأمد.
في المقابل، لم تحقق الجرعات العالية من السيلوسيبين نفس الفوائد. في الواقع، لم تُظهر الفئران التي تلقت 1.0 أو 3.2 ملغ/كغ أي تحسن في السلوكيات المرتبطة بالمزاج. كما أدت هذه الجرعات العالية إلى آثار جانبية، بما في ذلك ضعف الحركة، وانخفاض درجة حرارة الجسم، وانخفاض زيادة الوزن مع مرور الوقت. تشير النتائج إلى أن هذه الآثار الجانبية قد تُخفي أو تتداخل مع التأثيرات المحتملة لمضادات الاكتئاب عند تناول جرعات أعلى.
قام الفريق أيضًا بقياس استجابات ارتعاش الرأس، وهو سلوك شائع الاستخدام لدى القوارض كمؤشر على التأثيرات النفسية لدى البشر. وتبع عدد هذه الاستجابات منحنىً مقلوبًا على شكل حرف U، حيث بلغ ذروته عند جرعة 0.32 ملغم/كغم وانخفض عند الجرعات الأعلى، ويرجع ذلك على الأرجح إلى القمع العام للحركة الناتج عن تلك الجرعات.
فيما يتعلق بالآثار البيولوجية، وجد الباحثون أن السيلوسيبين يزيد مستويات عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ (BDNF) في الحُصين والقشرة الجبهية الأمامية، وهما منطقتان دماغيتان مسؤولتان عن المزاج والاكتئاب. حدثت هذه الزيادات بشكل خطي مرتبط بالجرعة، أي كلما زادت جرعة السيلوسيبين التي تلقتها الفئران، ارتفعت مستويات عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ. ومع ذلك، لم يتوافق هذا النمط مع التحسنات السلوكية، التي لم تحدث إلا عند الجرعة المعتدلة. يشير هذا إلى أنه على الرغم من أن عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ قد يلعب دورًا في تأثيرات السيلوسيبين، إلا أنه ليس العامل الوحيد المؤثر، وقد لا يتنبأ بشكل مباشر بالنتائج العلاجية.