الأدب

حنين المنفى: طيف سميرة في وجدان محمود سامي البارودي

أحمد حسني القاضي الأنصاري

تأوَّبَ طيفٌ من سميرةَ زائرُ
وما الطيفُ إلا ما تراهُ الضمائرُ
طوى سدفةَ الظلماءِ والليلُ ضاربٌ
بأروَاقِهِ، والنجمُ بالأُفْقِ حائرُ
فيا لكَ من طيفٍ ألمَّ، ودونَهُ
محيطٌ من البحرِ الجنوبيِّ زاخرُ
تخطّى إليّ الأرضَ وجدًا، وما لهُ
سوى نزواتِ الشوقِ حادٍ وزاجرُ
ألمّ ولم يلبث، وسارَ، وَلَيتَهُ
أقامَ، ولو طالتْ عليَّ الدياجرُ
تحمَّل أهوالَ الظلامِ مخاطراً
وعهدي بمن جادتْ به لا يُخاطرُ
خُماسيَّةٌ لم تدرِ ما الليلُ والسُّرى
ولم تنحسرْ عن صفحتيها الستائرُ
عقيلةُ أترابٍ توالينَ حولَها
كما دارَ بالبدرِ النجومُ الزواهرُ
غَوافِلُ لا يَعرفْنَ بُؤسَ مَعيشةٍ
ولا هُنَّ بالخَطبِ المُلمِّ شَواعِرُ
تعودْنَ خفضَ العيشِ في ظلِّ والدٍ
رحيمٍ، وبيتٍ شيّدتْهُ العناصرُ
فهنَّ كعنقودِ الثريا تألّقتْ
كواكبُهُ في الأفقِ، فَهْيَ سَوافِرُ
تمثّلُها الذكرى لعينَيّ كأنّني
إليها على بُعدٍ من الأرضِ ناظرُ
فطورًا أُخالُ الظنَّ حقًّا، وتارةً
أهيمُ، فتغشى مقلتيّ السمادرُ
فيا بُعدَ ما بيني وبينَ أحبّتي
ويا قُربَ ما التفتْ عليهِ الضمائرُ
ولولا أمانيّ النفسِ، وهيَ حياتُها
لما طارَ لي فوقَ البسيطةِ طائرُ
فإنْ تكُنِ الأيامُ فرّقْنَ بينَنا
فكلُّ امرئٍ يومًا إلى اللهِ صائرُ
هيَ الدارُ، ما الأنفاسُ إلا نَهائبٌ
لديها، وما الأجسامُ إلا عَقائرُ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى