الخزف الصيني: تاريخه، مواده، وطرق صناعته الدقيقة

كتبت: د. إيمان بشير ابوكبدة
يعود تاريخ السيراميك الصيني إلى العصر الحجري الحديث، أي قبل حوالي 8000 سنة. ظهر الخزف الحقيقي في الصين خلال عهد أسرة هان الشرقية (23-220 ميلادي) في مقاطعة تشجيانغ جنوب الصين. تطورت تقنيات صناعة الخزف تدريجياً، وانتقلت من الجنوب إلى الشمال، مما أدى إلى ظهور الخزف الأبيض الذي تطور من الخزف الأخضر.
شهدت صناعة الخزف تطورات كبيرة في مختلف الأسر الحاكمة
أسرة هان: شهدت تطوراً كبيراً في صناعة الفخار، مع إنشاء مصانع في جميع أنحاء البلاد وزيادة تنوع المنتجات. ظهر الفخار المزجج الأخضر باستخدام مركب النحاس كعامل تلوين.
أسرة تانغ: ازدهرت صناعة السيراميك بشكل كبير، وانتشر استخدام البورسلين على نطاق واسع، وبلغ السيلادون والخزف الأبيض ذروتهما. اشتهر فخار أسرة تانغ ثلاثي الألوان.
أسرة سونغ: شهدت ظهور العديد من الأفران الشهيرة مثل فرن دينغ وفرن سيزهو وفرن ياوجو، التي أنتجت منتجات متنوعة مثل الأبيض والأسود والخزف المرسوم.
أسرة مينغ وتشينغ: ورثت هذه الأسر التقاليد الممتازة للأسر السابقة وشهدت تطوراً هائلاً في التكنولوجيا والفن. تم تحسين جميع عمليات الإنتاج من تعدين المواد الخام إلى التشكيل والديكور والحرق. اشتهر الخزف الأزرق والأبيض مع الكوبالت كملون، والخزف الأحمر مع النحاس.
مواد صناعة الخزف الصيني
يصنع الخزف الصيني بشكل أساسي من مزيج من المواد التالية:
الكاولين (الطفل الصيني): وهو المكون الأساسي ويتكون بشكل كبير من معدن الكاولينيت الصلصالي، ويمنح الخزف لونه الأبيض وقوامه المميز.
بايدونزي (الصخور الميكائية أو الفلسبارية المتحللة): تساهم في صلابة الخزف ومتانته.
الفلسبار: يساعد في عملية التزجيج ويمنح الخزف خصائصه الزجاجية.
المرو (الكوارتز): يساهم في قوة ومتانة الخزف.
رماد العظام (خاصة في الخزف العظمي): يمنح الخزف العظمي شفافيته الفريدة ونعومته وقوته الفائقة، ويتكون عادة من عظام الحيوانات المحروقة.
طرق صناعة الخزف الصيني
تمر صناعة الخزف الصيني بسلسلة من العمليات المعقدة والدقيقة التي تتطلب مهارة عالية ودقة، ويمكن تلخيصها في الخطوات الرئيسية التالية:
تحضير المواد الخام
تنقية الطين: يتم تصنيف الطين بناءً على لونه وجودته وللدونته، ثم يتم تنقيته لإزالة الشوائب مثل الرمل والحجارة.
العجن: يتم خلط الطين بشكل متكرر لضمان توزيع الرطوبة بالتساوي، وثبات الصلابة، وإزالة فقاعات الهواء.
التشكيل
يتم تشكيل الطين إلى الشكل المطلوب باستخدام تقنيات مختلفة مثل:
الرمي على عجلة الفخار: وهي الطريقة الأكثر شيوعًا للأواني الدائرية.
البناء باليد: لإنشاء أشكال غير منتظمة أو معقدة.
القوالب: لإنتاج كميات كبيرة من نفس الشكل.
التجفيف
بعد التشكيل، يكون الجسم رطبًا ويجب تجفيفه ببطء وتدريجياً في الهواء لتجنب التشقق أو التشوه.
التقليم
بعد التجفيف، يتم تقليم وتصحيح الشكل وتنعيم السطح لإزالة أي زوائد أو عيوب.
تزيين تحت الغطاء (الرسم قبل التزجيج)
في هذه المرحلة، يتم رسم الزخارف والتصاميم على الجسم غير المزجج. أشهر مثال على ذلك هو الخزف الأزرق والأبيض، حيث يتم الرسم بصبغة الكوبالت التي تتحول إلى اللون الأزرق الزاهي بعد الحرق.
الحرق الأولي (حرق البسكويت)
يتم حرق الجسم في فرن (كيلن) عند درجة حرارة منخفضة نسبيًا (حوالي 800-1000 درجة مئوية). هذا الحرق يجعل الجسم أكثر صلابة وأقل هشاشة، مما يسهل التعامل معه في المراحل التالية.
التزجيج
يتم غمس الجسم المحروق في محلول التزجيج، وهو عبارة عن خليط من المعادن والسيليكات التي ستتحول إلى طبقة زجاجية لامعة بعد الحرق النهائي. هناك أنواع مختلفة من التزجيج تعطي ألوانًا وتأثيرات مختلفة.
الحرق النهائي (الحرق عالي الحرارة)
يتم حرق الجسم المزجج في أفران عالية الحرارة جدًا (تصل إلى 1300-1400 درجة مئوية أو أعلى) في أجواء محكمة (مثل جو الاختزال لبعض أنواع الخزف). هذه العملية تحول الطين إلى خزف صلب ومتين، ويذوب التزجيج ليشكل طبقة زجاجية لامعة وملونة.
قد تستغرق عملية الحرق أيامًا، وتتطلب مراقبة دقيقة لدرجة الحرارة.
التزيين فوق الغطاء (الرسم بعد التزجيج)
في بعض أنواع الخزف، يتم إضافة طبقات أخرى من الزخارف والألوان فوق طبقة التزجيج بعد الحرق الأول، ثم يتم حرقها مرة أخرى عند درجة حرارة أقل لتثبيت الألوان. من الأمثلة على ذلك الخزف المينا الملون.
أنواع الخزف الصيني
يوجد العديد من أنواع الخزف الصيني التي تتميز بخصائصها الجمالية والتقنية:
الخزف الأخضر (السيلادون): من أقدم أنواع الخزف، يتميز بلونه الأخضر المائل إلى الرمادي أو الأزرق، وينتج من أكاسيد الحديد في التزجيج.
الخزف الأبيض: يتميز بلونه الأبيض الناصع وشفافيته، وقد تطور من الخزف الأخضر.
الخزف الأزرق والأبيض: من أشهر وأكثر الأنواع تمثيلاً للخزف الصيني، يتميز بزخارف زرقاء مرسومة يدوياً على خلفية بيضاء.
خزف المينا الملون: يتميز بألوانه الزاهية والمتعددة التي تضاف بعد عملية التزجيج الأساسية، ثم يتم حرقها مرة أخرى.
الخزف العظمي: وهو نوع فاخر من الخزف يتميز بتركيبته التي تحتوي على نسبة كبيرة من رماد العظام، مما يمنحه شفافية عالية، وبياضًا ناعمًا (عاجيًا)، ومتانة استثنائية.