د/ حمدان محمد
في الآونة الأخيرة تحولت منصات التواصل الاجتماعي وعلى رأسها التيك توك إلى ساحات جدل كبيرة بعد انتشار ظواهر غريبة لا تمت لقيمنا وعاداتنا بصلة مثل ما نشاهده من مروة بنت مبارك وام سجدة وام مكة وغيرهم ممن يبحثون عن الشهرة والربح السريع دون النظر إلى الأثر الأخلاقي والاجتماعي لما يقدمونه
وهذه المشاهدات التي قد تبدو للبعض مجرد تسلية بريئة تحمل في طياتها مخاطر كبيرة فهي لا تكتفي بملء أوقات الناس بما لا ينفع بل تزرع في عقول الشباب مفاهيم مغلوطة عن النجاح والحرية والسلوك الطبيعي مما يهدد منظومة القيم التي تربينا عليها والمطلوب الآن أن نكون على وعي تام بأن هذه المنصات تسعى لجذب الانتباه بكل الطرق وأن خلف كل بث مباشر حسابات مالية ضخمة تستغل الفضول البشري لزيادة المشاهدات وبالتالي الأرباح دون أي اعتبار للأثر الاجتماعي أو النفسي وتشير الأرقام إلى أن عدد مستخدمي تيك توك في مصر تجاوز سبعة وثلاثين مليون مستخدم مما يجعل مصر أكبر سوق في إفريقيا لهذا التطبيق وتؤكد الدراسات أن المبدعين على تيك توك يحصلون على مبالغ تتراوح بين مئات الدولارات وقد تصل إلى آلاف الدولارات شهريا وفقا لعدد المتابعين ونوعية المحتوى كما أن أصحاب المحتوى الذي يتلقى هدايا رقمية خلال البث المباشر يحصلون بعد الخصومات على نصف القيمة تقريبا أو أحيانا أقل من ذلك بسبب عمولات المنصة
…………أما من الناحية النفسية………..
فقد أظهرت الدراسات أن معدل استخدام تيك توك يبلغ ثمانين في المائة بين الشباب وخاصة في الفئة العمرية من ثمانية عشر إلى تسعة وعشرين عاما وقد ربطت هذه الدراسات بين الاستخدام المفرط للمنصة وبين زيادة أعراض القلق والاكتئاب خصوصا لدى الفتيات ومن الفئات الاقتصادية الأقل حظا وظواهر مثل مروة بنت مبارك وام سجدة وام مكة أصبحت نماذج للشهرة السريعة القائمة على إثارة الجدل واستعراض الخصوصية ما أدى إلى انتشار ثقافة تقيس النجاح بعدد المشاهدات لا بقيمة المحتوى وهو ما يخلق أزمة قيم حقيقية ويؤثر على الشباب فيدفعهم لتقليد هذه السلوكيات أملا في تحقيق الشهرة والربح
وعلى الصعيد القانوني فقد شهدت مصر خلال السنوات الأخيرة محاكمات لمؤثرات على تيك توك بتهم مثل انتهاك قيم الأسرة المصرية وهي تهم عامة وفضفاضة صدرت على أساسها أحكام بالسجن والغرامة مثلما حدث في قضايا حنين حسام ومودة الأدهم وغيرهما وهذه الوقائع تبرز أن الدولة تراقب هذه الظاهرة وتحاول الحد من آثارها
لكن الحقيقة أن المواجهة لا تكون فقط بالقوانين بل بالتوعية المجتمعية والتعليم الإعلامي حتى يدرك الشباب وأولياء الأمور كيف تعمل هذه المنصات وأنها تعزز المحتوى المثير للجدل لتحقيق الأرباح وأن هذه الشهرة الوهمية لا تدوم ولا تبني مستقبلا
وإن الدكتور أحمد مصطفى أستاذ علم الاجتماع أكد أن هذه الظواهر هي انعكاس لحالة فراغ اجتماعي ونقص التوجيه الأسري حيث قال إن الشباب اليوم أصبح يقضي ساعات طويلة أمام هذه المنصات بلا رقابة ما يجعلهم عرضة لتقليد سلوكيات لا تتوافق مع قيم المجتمع وأضاف أن الحل يكمن في تعزيز دور المدرسة والأسرة والإعلام في التربية الرقمية
كما أشار الدكتور محمود شرف أستاذ علم النفس أن الاستخدام المفرط لتطبيقات مثل تيك توك يرتبط بشكل مباشر بزيادة القلق الاجتماعي والاكتئاب خاصة بين الفتيات وأوضح أن البحث عن التفاعل الوهمي من خلال المشاهدات والإعجابات يخلق حالة من الإدمان النفسي الذي يصعب التخلص منه دون دعم أسري واجتماعي قوي
إن الحل يكمن في استخدام هذه المنصات بشكل إيجابي لنشر العلم والمعرفة والقيم والوعي وأن ندرك جميعا أن الشهرة الحقيقية لا تقاس بعدد المتابعين بل بالأثر الذي نتركه في المجتمع
فلنحذر أن نكون مجرد أرقام في قوائم المشاهدات بينما نخسر أعز ما نملك وهو عقولنا وأخلاقنا ولنوجه أبناءنا لاستخدام هذه الأدوات لبناء مستقبل أفضل لا للانجراف وراء محتوى فارغ يهدم قيمنا
