مريم أحمد
بين أروقة التاريخ العريق، وتحت سماء القاهرة، وُلد أحد أبرز الصروح العلمية في الشرق، وهو المجمع العلمي المصري، الذي يُعدّ شاهدًا على عصور من التنوير، ومنارة للفكر والمعرفة.
تعود نشأة المجمع إلى عام 1798م، إبان الحملة الفرنسية على مصر، حينما قرّر القائد الفرنسي نابليون بونابرت إنشاءه في القاهرة، استكمالًا لمشروعه في تأسيس بنية علمية متطورة في البلاد التي سُحِر بحضارتها. وكان الهدف من هذا الصرح أن يكون مركزًا علميًّا يجمع بين البحث والتوثيق والنقاش في شتى مجالات العلوم والفنون والآداب.
وفي عام 1859م، نُقِل المجمع إلى مدينة الإسكندرية، ليُعاد تسميته بـ”المجمع العلمي المصري”، ثم عاد ليستقر مجددًا في القاهرة عام 1880م، ليستأنف رسالته العلمية والتنويرية في قلب العاصمة.
لم يكن المجمع مجرد مبنى أو مؤسسة رسمية، بل كان بيتًا للعلماء والمفكرين، ومنبرًا للحوار الأكاديمي والثقافي، وساهم بشكل بارز في حركة النهضة الفكرية في مصر الحديثة.
وتضم مكتبة المجمع العلمي ما يزيد عن أربعين ألف كتاب ووثيقة، من بينها كنوز نادرة لا تُقدّر بثمن، نذكر منها:
أطلس لفنون الهند القديمة، الذي يُعدّ مرجعًا فنيًّا وتاريخيًّا هامًا.
أطلس “مصر الدنيا والعليا”، وقد كُتب هذا العمل النادر عام 1752م، ويُوثّق جغرافيًّا وتاريخيًّا وجه مصر في القرن الثامن عشر.
أطلس ألماني عن مصر وإثيوبيا، يعود إلى عام 1842م، ويعكس اهتمامات أوروبا العلمية والجغرافية بمنطقة وادي النيل والقرن الإفريقي.
لقد لعب المجمع دورًا كبيرًا في حفظ التراث المصري والعالمي، وواجه تحديات عديدة، أبرزها حادثة الحريق المؤسفة عام 2011م التي أتلفت جزءًا من مكتبته النادرة، لكن إرادة العلماء والمثقفين أعادت ترميمه وبثّ الروح فيه من جديد.
يبقى المجمع العلمي المصري حتى يومنا هذا رمزًا من رموز النهضة الفكرية في مصر، وركيزة أساسية في طريق الحفاظ على الهوية الثقافية والعلمية للأمة
