الجولاني بين الخطاب الثوري والتناقضات السياسية: سوريا بين الشعارات والواقع

د/ حمدان محمد
في الوقت الذي يرفع فيه أبو محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام، صوته عاليًا في خطب حماسية تدعو للوحدة ضد الاحتلال الإسرائيلي، تشهد سوريا تناقضات واضحة في سياساته على الأرض. فمن جهة، يظهر كمدافع عن القضية الفلسطينية، ومن جهة أخرى، يفتح شمال سوريا لتدخلات إقليمية، مما يثير تساؤلات حول مدى اتساق خطابه مع ممارساته الفعلية.
وها هو يتبنى الجولاني خطابًا معاديًا للكيان المحتل، محاولًا استمالة الشارع الإسلامي والعربي بقضية عادلة تشغل الوجدان العربي، وهي القضية الفلسطينية. إلا أن الواقع على الأرض يكشف صورة مختلفة، حيث تتنامى التقارير التي تشير إلى وجود تفاهمات غير مباشرة بين الفصائل المسلحة في إدلب وأطراف إقليمية، بعضها لديه علاقات مفتوحة مع إسرائيل.
كما أن الضربات الجوية الإسرائيلية المتكررة داخل سوريا، والتي تستهدف مواقع عسكرية إيرانية وأخرى تابعة لحزب الله، لم تلقَ ردًا فعليًا يُذكر من “هيئة تحرير الشام”، التي تسيطر على إدلب ومحيطها. بل إن بعض المراقبين يرون أن هناك نوعًا من التنسيق غير المباشر، أو على الأقل غض الطرف عن هذه العمليات، بما يخدم مصالح آنية للفصائل المسلحة في الشمال السوري.
ومن الواضح أن المشهد السوري متشابك إلى حد بعيد، حيث تتداخل المصالح الدولية والإقليمية في صراع معقد. فبينما تحاول بعض الفصائل تقديم نفسها كقوى مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، نجدها في الوقت نفسه تتحالف مع قوى إقليمية تسعى لترتيب الأوضاع وفق أجنداتها الخاصة.
وفي ظل استمرار هذه التناقضات، تبقى سوريا ساحة مفتوحة أمام التدخلات الخارجية، حيث تتلاعب القوى المختلفة بالواقع الميداني وفق حسابات معقدة، بينما يدفع الشعب السوري الثمن الأكبر في هذه الحرب التي لا تزال مفتوحة على كل الاحتمالات.
فإلى متى سيبقى الخطاب السياسي في المنطقة أسير الشعارات الجوفاء، بينما الحقائق على الأرض تروي قصة مختلفة؟