بقلم… أحمد رشدي
استيقظت في منتصف الليل على صوت طرق خفيف يأتي من خلف الجدار
كان الصوت منتظمًا كنبضٍ بطيء،
ثلاث طرقات ثم صمت،
ثلاث طرقات ثم صمت
في البداية ظننته من الجيران،
لكن شيئًا في الإيقاع كان غريبًا
كأنه يعرف أنني أستمع
جلست في الفراش أتحسس الظلام
الغرفة ساكنة، لا شيء يتحرك، فقط ذلك الطرق المتكرر، كأن أحدهم يريد أن يخبرني بشيء
نهضت، اقتربت من الجدار، وضعت أذني عليه
كان الصوت الآن أقرب، كأن أحدهم في الجهة الأخرى يهمس باسمي
ـ أحماااااد… أحماااااد… افتح
تجمدت في مكاني
لم يكن هناك باب لأفتح،
فقط الجدار الصامت أمامي
لكن الهمس ظل يتكرر، ثم تحوّل إلى ضحكة مبحوحة كصوت صدأ يتنفس
تراجعت بخطوات بطيئة
الإضاءة الخافتة من النافذة جعلت ظلّي يمتد على الجدار
لكن الظل لم يتحرك معي
توقف جسدي، والظل ما زال يتحرك!
رفع يده نحوي
يداي إلى جانبي، لكنه رفع يده ببطء… يشير إليّ
تراجعت أكثر، أتعثر بقدمي
الظل يبتسم!
صرخت وأضأت المصباح فجأة
اختفى الظل
الغرفة عادية تمامًا
جدران باهتة، مكتب صغير، ساعة توقفت عند الثالثة والربع
كل شيء ساكن… أكثر مما يجب
حاولت إقناع نفسي أنني أحلم، لكن الهاتف رن فجأة
رقم غريب
ترددت لحظة ثم أجبت
صوت رجل أجش قال بصوت متقطع:
ـ لماذا استيقظت؟
لم يكن دورك بعد
ثم انقطع الاتصال
نظرت إلى الهاتف في ذهول، ووجدت شيئًا جعل قلبي يتوقف
لم يكن هناك أي إشارة اتصال وارد
لم يكن الهاتف متصلاً بالشبكة أصلاً
بدأ الهواء يثقل في الغرفة،
كأن الأكسجين يتسرب منها ببطء
الضوء بدأ يخفت رغم أن المصباح ما زال مضاءً
ثم رأيت الباب يُفتح ببطء، دون صوت، وكأن أحدهم يمر من خلاله
لم يكن أحد
فقط ظل طويل يعبر الحجرة متجهاً نحوي، دون خطوات، دون وجه
مدّ يده نحو كتفي، لم ألمسه لكني شعرت ببرودة الموت تتسلل إلى عظامي
وقبل أن أصرخ، انطفأ كل شيء
استيقظت مرة أخرى
النهار قد طلع، العصافير تغرّد، وكل شيء يبدو طبيعيًا
تنفست الصعداء وضحكت لنفسي: مجرد كابوس آخر
لكن حين نظرت إلى المرآة…
وجدت وجهي شاحبًا،و تحت عينيّ سواد كثيف، وعلى عنقي أثار أصابع زرقاء داكنة
اقتربت أكثر…
الانعكاس لم يكن يبتسم
بل كان يفتح فمه ببطء،
وكأنه يهمس بشيء لا أسمعه
ثم تحرك فمه بالكلمة ذاتها التي سمعتها في الهاتف الليلة الماضية
ــ لم يكن دورك بعد
وانطفأ الضوء
….
