مازن السيد
في زمنٍ تتبدّل فيه معاني الخير والشر كل يوم، تظهر على الشاشة شخصيات تكسر القواعد كلها:
قاتل متسلسل نحبه، ومجنون يضحك وهو يشعل المدينة بالنار، وبدل أن نكرهه… نتألم لأجله.
السؤال هنا: لماذا نتعاطف مع الأشرار؟
الشر الذي يشبهنا
“ديكستر مورغان” محلل آثار دم في شرطة ميامي، لكنه يحمل سرًا قاتمًا…
فهو قاتل متسلسل.
لكن ليس أي قاتل، بل يقتل المجرمين الذين أفلتوا من العقاب.
هكذا يتحوّل من سفّاح إلى “بطل غامض” في نظرنا.
نراه يحاول السيطرة على نفسه، يخاف من حقيقته، ويبحث عن حبٍّ لا يعرف كيف يتلقّاه.
فنجد أنفسنا، دون أن نشعر، ندعوه للهرب من الشرطة بدلًا من الوقوع في قبضتها.
الأمر ذاته يحدث مع “الجوكر” في فيلم Joker (2019).
رجل محطم، كان يحلم أن يصبح كوميديًّا، لكن العالم قهره حتى تحوّل حلمه إلى كابوس.
ضحكته صارت وجعه، وصمته صار صرخةً ضد قسوة المجتمع.
نشاهده وهو ينهار، وبدل أن نخاف منه، نتعاطف معه… رغم أنه يغرق المدينة في الفوضى.
لماذا نتعاطف معهم فعلًا؟
لأن هذه القصص لا تُظهر لنا الشر بحد ذاته،
بل تُظهر الإنسان قبل أن يتحوّل إلى الشرير.
تُرينا الطفل الذي تأذّى، والمراهق الذي سُحق، والرجل الذي خنقته الوحدة.
نرى أنفسنا فيهم — في لحظات الغضب، والعجز، والحزن المكتوم.
فنبرّر، ونتفهّم، وأحيانًا… نحبّهم.
العقل يرفض الشر،
لكن القلب يتفهّم الوجع.
الفارق بين ديكستر والجوكر
ديكستر يسعى إلى السيطرة على وحشه الداخلي، يقتل المذنبين فقط،
يؤمن بأنه أداة للعدالة في عالم فاسد.
أما الجوكر، فهو لا يسعى للسيطرة على شيء،
بل يترك الفوضى تنفجر من داخله انتقامًا من مجتمعٍ تجاهله وأهانه.
ديكستر منظم، دقيق، بارد.
الجوكر فوضوي، مندفع، مشتعل بالرفض.
الأول يرى نفسه المنقذ الخفي، والثاني يرى نفسه الضحية التي قررت الانتقام.
ومع ذلك، الاثنين يضربان على نفس الوتر النفسي العميق:
أن في داخل كل إنسان جانبًا مظلمًا،
لكن الفرق هو كيف يختار التعامل معه.
ربما ديكستر والجوكر ليسا مجرد شخصيتين خياليتين،
بل مرآتان تُظهران لنا ما نحاول إخفاءه عن أنفسنا.
مرآتان تعكسان ذلك الغضب الصامت، وتلك الرغبة الدفينة في أن يكون للعدالة وجه إنساني.
الدراما في الحالتين ليست عن القتل أو الجنون،
بل عن الإنسان عندما يقف على الحافة بين العقل والهاوية.
فالحقيقة أننا لا نحب الأشرار،
لكننا نفهمهم أكثر مما ينبغي.
