كتبت: د. إيمان بشير أبـوكبدة
يُعدّ الطوارق، أو كما يُعرفون بـ رجال الصحراء الزرق، من أبرز الشعوب الأمازيغية التي حافظت على خصوصيتها الثقافية واللغوية عبر قرون من الزمن. يعيش هذا الشعب في أعماق الصحراء الكبرى، ويتوزع وجوده بين ليبيا والجزائر ومالي والنيجر وبوركينا فاسو، حيث يشكّلون مزيجًا فريدًا من الأصالة الأمازيغية والروح الصحراوية الحرة.
الأصل والتاريخ
يرجّح العديد من المؤرخين أن أصول الطوارق تمتد إلى القبائل الأمازيغية القديمة التي استقرت في الصحراء منذ آلاف السنين. ويُعتقد أنهم أحفاد قبائل صنهاجة الملثّمين، الذين كانوا يسيطرون على طرق القوافل التجارية الممتدة بين شمال إفريقيا وبلاد السودان (أفريقيا جنوب الصحراء).
بينما يرى آخرون أن لهم صلة بـ القارامانت الذين عاشوا قديمًا في فزّان بليبيا، غير أن الاختلافات في الملامح والعادات تُضعف هذا الاحتمال. تسمية الطوارق قد تكون مشتقة من “تارقة” (واد في فزان بليبيا)، وهي إحدى الفرضيات الشائعة، إلى جانب فرضيات أخرى تربطهم بـ “طارق” بن زياد أو مشتقة من “التوارك” بمعنى “التاركون” (لشمال إفريقيا)، ولكن الرواية الأمازيغية (تارقة) هي الأكثر قبولاً جغرافيًا.
المجتمع والنظام الطبقي
يتميّز المجتمع الطارقي بتركيبته الهرمية الدقيقة، إذ تُحدد مكانة كل فرد بحسب انتمائه الطبقي والوظيفي، ويضم:
إيماجغن: طبقة السادة والنبلاء، وهم قادة القبائل.
إينسلمن: رجال الدين والعلم، وهم أصحاب المكانة الروحية.
إيمغاد: المزارعون والرعاة.
إينادن: الصناع التقليديون والحرفيون.
بلاس (بزوس): الأرقاء المحررون.
إكلان: طبقة العبيد.
ورغم الطابع القبلي، فإن المجتمع الطارقي يتسم بقدر من الانفتاح الاجتماعي، خاصة في ما يخص مكانة المرأة التي تحظى باحترام كبير، إذ تمتلك حق الميراث والتملك، وغالبًا ما تكون هي الحافظة للتاريخ الشفهي والأنساب، وهو ما جعل من المجتمع الطارقي مجتمعًا أموميًّا في بعض جوانبه.
اللغة والثقافة
يتحدث الطوارق اللغة الأمازيغية بلهجة تماشق، ويستخدمون في كتابتها أبجدية تيفيناغ القديمة، وهي إحدى أقدم أنظمة الكتابة في إفريقيا.
يفضّل الطوارق أن يُعرفوا باسم “إيماجغن”، أي الرجال الأحرار، وهو اسم يعكس روح الكرامة والاستقلال المتجذرة في ثقافتهم.
تتميز موسيقاهم بألحانها البدوية الحزينة المصحوبة بآلات مثل الإمزاد (آلة وترية نسائية تقليدية)، وتُعدّ الأغاني وسيلة للحفاظ على الذاكرة الجماعية ونقل الحكم والعادات.
اللثام الأزرق.. هوية لا تُفارق الرجل الطارقي
أشهر ما يميز الرجل الطارقي هو اللثام الطويل الذي يلفه حول وجهه بإحكام، فلا يظهر منه سوى العينان.
يُصنع هذا اللثام عادة من القماش النيلي أو الأزرق، ما أكسبهم لقب “الرجال الزرق”، لأن لون الصبغة يترك أثرًا على بشرتهم.
ولا يرفع الطارقي لثامه حتى عند تناول الطعام أو الحديث مع الغرباء، إذ يُعدّ رمزا للحياء والرجولة والشرف، فضلاً عن كونه وسيلة طبيعية للوقاية من حرارة الصحراء وعواصفها الرملية.
الطوارق والدين
ينتمي الطوارق إلى الإسلام السني المالكي، ويُعرفون بتسامحهم وتمسكهم بالعادات الإسلامية الممزوجة ببعض المعتقدات الأفريقية القديمة.
كان لعلمائهم دور كبير في نشر الإسلام في المناطق الواقعة جنوب الصحراء عبر القوافل التجارية التي كانت تصل إلى تومبكتو وغاو وأغاديز.
الحياة الاقتصادية
اعتمد الطوارق تاريخيًا على الرعي وتجارة القوافل التي تربط شمال إفريقيا ببلاد السودان، حيث كانوا ينقلون الملح والذهب والعاج.
ورغم أن الحياة البدوية بدأت تتراجع بسبب التمدن والحدود السياسية الحديثة، فإن الطوارق ما زالوا يحافظون على جزء كبير من نمطهم التقليدي في بعض المناطق النائية.
الطوارق اليوم
يعيش الطوارق اليوم في أوضاع مختلفة حسب الدول التي يقيمون فيها، وبعضهم يطالب بالاعتراف بثقافتهم وهويتهم الخاصة.
ورغم التحديات السياسية والاقتصادية، ما زالوا يحتفظون بتراثهم الغني، وتُقام لهم مهرجانات ثقافية وموسيقية في مالي والنيجر والجزائر، أبرزها مهرجان تيميتار ومهرجان الصحراء في “إسّاو” و“تيمبوكّتو”.
