نجده محمد رضا
في عالم تتسارع فيه وتيرة الحياة ويزداد الضغط النفسي والتوتر اليومي، أصبح السهر وقلة النوم من أخطر الظواهر التي تهدد صحة الإنسان الجسدية والعقلية. ومع أن كثيرين يظنون أن الحرمان من النوم لا يتجاوز التعب أو الإرهاق، إلا أن الحقيقة العلمية تؤكد أن قلة النوم قد تؤدي إلى الهلوسة والموت المفاجئ.
أطول تجربة حرمان من النوم في التاريخ
في عام 1963، أجرى الطالب الأمريكي راندي غاردنر تجربة غير مسبوقة في سان دييغو بولاية كاليفورنيا، استمرت 11 يومًا متواصلاً (264 ساعة) دون أن يغمض عينيه.
كانت التجربة تحت إشراف أطباء وباحثين من جامعة ستانفورد، بهدف دراسة تأثير قلة النوم على الدماغ والجسم.
وخلال الأيام الأخيرة، بدأ راندي يعاني من اضطراب في الإدراك، وهلوسة بصرية وسمعية، وضعف في الذاكرة والتركيز، حتى أنه تخيّل نفسه لاعب كرة قدم مشهور وهو في الواقع لم يكن كذلك.
وبعد انتهاء التجربة، نام راندي لأكثر من 14 ساعة متواصلة، وأكد الأطباء أن حالته العقلية استغرقت أسابيع من التعافي الكامل.
كيف يؤدي السهر إلى الهلوسة والموت؟
النوم ليس راحة فحسب، بل هو عملية حيوية معقدة يعيد فيها الدماغ تنظيم نفسه ويُصلح الخلايا العصبية.
عندما يُحرم الإنسان من النوم لفترات طويلة، يبدأ المخ في إنتاج نشاط كهربائي عشوائي، ما يسبب هلوسات سمعية وبصرية واضطراب الوعي.
ووفقًا لدراسات حديثة من جامعة هارفارد ومعهد ماكس بلانك، فإن استمرار قلة النوم يؤدي إلى تلف في الفص الجبهي من الدماغ، المسؤول عن التفكير المنطقي واتخاذ القرار، مما يزيد من احتمالية الانهيار العقلي والموت المفاجئ نتيجة فشل الجهاز العصبي.
اكتشافات علمية حديثة عن النوم
في عام 2024، اكتشف باحثون من جامعة طوكيو أن قلة النوم المتكررة تؤدي إلى تراكم بروتينات سامة في الدماغ تُعرف باسم “تاو”، وهي نفسها المرتبطة بمرض الزهايمر.
دراسة من جامعة أكسفورد أوضحت أن الإنسان إذا لم ينام لأكثر من 10 أيام متواصلة، قد يدخل في حالة “كوما” طبيعية، حيث يتوقف المخ عن الاستجابة مؤقتًا لإنقاذ الجسم.
علماء في سويسرا أكدوا أن نقص النوم يعطل جهاز المناعة بنسبة تصل إلى 70%، مما يجعل الجسم عرضة للفيروسات والأورام.
كما أثبتت وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) أن الحرمان من النوم لمدة 72 ساعة فقط يجعل الدماغ يتصرف كما لو كان تحت تأثير الكحول.
السهر في المجتمعات الحديثة
في عالم التكنولوجيا والسوشيال ميديا، أصبح السهر جزءًا من حياة ملايين البشر، خاصة الشباب الذين يسهرون أمام الشاشات حتى الفجر.
لكن الخبراء يحذرون من أن هذا السلوك يعادل تعذيبًا عصبيًا بطيئًا، حيث يفقد الدماغ قدرته على الراحة وتنخفض كفاءة الذاكرة بنسبة تصل إلى 40%.
النهاية الحتمية: سهرة الموت
رغم أن بعض الأشخاص يتفاخرون بقدرتهم على السهر أيامًا دون نوم، إلا أن الطب يؤكد أن الحرمان الكامل من النوم يؤدي في النهاية إلى انهيار عصبي وجسدي خطير.
ولهذا يُطلق العلماء على هذه الظاهرة اسم “سهرة الموت”، لأنها رحلة بطيئة نحو فقدان الإدراك، ثم توقف القلب أو الدماغ بشكل مفاجئ.
نصيحة الخبراء
ينصح الأطباء بضرورة النوم ما بين 7 إلى 8 ساعات يوميًا للحفاظ على توازن الهرمونات وتجديد خلايا المخ. كما يجب الابتعاد عن الشاشات قبل النوم بساعة على الأقل، والالتزام بروتين نوم ثابت لحماية الصحة النفسية والجسدية.
النوم ليس رفاهية، بل ضرورة للبقاء على قيد الحياة. وكل دقيقة تُسلب من ساعات نومك هي خطوة صغيرة نحو نهاية غير مرئية…فاحذر أن تتحول سهرتك إلى سهرة الموت.
