الجزء الأول… تمرُّد الأحرف
بقلم: أحمد رشدي
يُقال إن الكاتب خالق صغير،
يزرع في الورق قلوبًا تنبض بالحبر،
ويمنحها أسماءً وأرواحًا تسير في عالمه كما يشاء.
لكن… ماذا لو تمرد المخلوق على خالقه؟
ماذا لو قررت الشخصيات أن تكفَّ عن الطاعة؟
كنت أظن أن ما أكتبه يبقى حبرًا على ورق… حتى تلك الليلة التي سمعتُ فيها أصواتهم ،
لأول مرة.
كان الليل ساكنًا إلا من صوت الريح،
والمكتب غارقًا في فوضى أوراقي القديمة، قصص كتبتها في فتراتٍ مختلفة من حياتي. أبطالها وأشرارها،
أحباؤها وقتلتها،
كلهم يرقدون هنا في أدراج ذاكرتي… أو هكذا ظننت.
ثم حدث ما لا يُصدَّق.
ارتجفت الأوراق، تحركت الأقلام، وتكاثرت الظلال حولي حتى صارت وجوهًا أعرفها.
ها هو “أدهم”، البطل النبيل الذي خلقته ليحارب الظلم، لكنه الآن ينظر إليّ بغضب ويقول بصوتٍ خشن:
ـ أنت جعلتني أخسر كل شيء من أجل مبادئك
وها هي “أميرة” بطلة “من أنتِ”، تقف خلفه، عيناها تلمعان ببريقٍ غامض ،
كأنها تعرف أكثر مما تقول.
قالت بابتسامة باردة:
ـ كنتَ تظن أنك من يكتبني؟ يا أحمد… أنا من كتبتك منذ البداية.
كان المشهد أقرب إلى كابوس…
لكن الكابوس ازداد واقعية حين سمعت الباب يُغلق وحده خلفي.
كل شخصية خرجت من رواية،
من قصة، من حلمٍ قديم.
بعضهم يريد الانتقام، وبعضهم يبحث عن معنى، وبعضهم فقط… يريد أن يعيش.
وللأسف انقسموا إلى معسكرين:
معي وضدي.
أما “أميرة”، فكانت غامضة كالعادة.
تارةً تنقذني من موتٍ محتم،
وتارةً تدفعني إليه بخبثٍ أنثوي ساحر.
كنت أرى في عينيها كل القصص التي كتبتها، كل الكلمات التي نزفتها من عقلي.
كانت هي “الأنثى الفكرة”…
نصفها حبر ونصفها لحم.
في قلب الفوضى،
ظهر “الظل”… شخصية لم أكتبها قط.
قال إنه وُلد من أفكاري المكبوتة،
من الكلمات التي لم أجرؤ على كتابتها.
كان شرًّا نقيًّا، قوّةً خرجت من العدم، وأعلن الحرب على الجميع، عليّ وعلى أبطالي.
بدأ الصراع الكبير…
ورأيت عوالم رواياتي تتداخل،
مشاهد من قصص الرعب تمتزج بالرومانسية، أبطالي يسقطون واحدًا تلو الآخر، و“الظل” يزداد قوةً مع كل فكرةٍ تُمحى من رأسي.
أدركت أن الطريقة الوحيدة للنجاة…
هي الكتابة نفسها.
جلستُ أمام الحاسوب، وبدأت أكتب:
“ينتصر الكاتب أحمد رشدي في النهاية.”
وفجأة، توقفت العاصفة.
كل شيء تجمد.
الأبطال اختفوا كأنهم لم يكونوا.
وبقيت “هي” فقط، “أميرة”، تنظر إليّ وتهمس ساخرًة:
ـ في النهاية… لا يملك الكاتب سوى كلماته.
ثم ابتسمت واختفت في آخر سطر كتبته.
في الصباح، وجدت الأوراق مبعثرة، والسطور الأخيرة غير مكتملة.
لكن في أسفل الصفحة،
كانت هناك جملة لم أكتبها أنا:
“هذه المرة… أنا من سيكتبك، يا أحمد.
ضحكتُ بخفوتٍ وأنا أحتسي قهوتي،
وقلت بسخرية تشبه مرارة الحقيقة:
.حسنًا يا أميرة…
. فلنرَ من سيكتب من
