نجده محمد رضا
في واحدة من أعجب الظواهر النباتية التي حيّرت العلماء وفتنت الناس على مرّ العصور، تظهر نبتة القيامة أو كما تُعرف علمياً باسم “سيلّاجينيلا ليبيدوفيلا” (Selaginella lepidophylla)، وهي عشبة صحراوية نادرة قادرة على العودة إلى الحياة بعد أن تجفّ تماماً وتبدو كأنها ماتت!
تُعرف هذه النبتة بعدة أسماء حول العالم، منها “زهرة أريحا” أو “وردة القيامة”، ويعود موطنها الأصلي إلى صحارى المكسيك والولايات المتحدة الجنوبية، حيث تتكيف مع أقسى الظروف المناخية والجفاف الشديد الذي يمتد لأشهر طويلة دون أي مصدر للماء.
سرّ الحياة بعد الموت
عندما تنقطع المياه لفترة طويلة، تتقلّص أوراق النبتة وتلتفّ على نفسها لتتكوّن على شكل كرة جافة بنية اللون كما يظهر في الصورة. في هذه الحالة، تبدو وكأنها فقدت حياتها بالكامل، لكن الحقيقة مختلفة تماماً؛ فهي تدخل في حالة سُبات حيوي تُعرف باسم “التحلل المائي العكسي”، حيث تتوقف كل العمليات الحيوية تقريباً داخلها لحين توفر الماء مجدداً.
وعندما تهطل الأمطار أو تصلها رطوبة كافية، تبدأ النبتة تدريجياً بامتصاص الماء وإعادة تنشيط خلاياها، فتتفتح أوراقها وتتحول إلى لون أخضر زاهٍ خلال ساعات قليلة فقط، في مشهد مذهل يُشبه عودة الحياة إلى جسدٍ ميت.
تكيف فريد في عالم النباتات
يصف العلماء هذه النبتة بأنها رمز للقدرة على البقاء والتجدد، إذ تحتوي خلاياها على مركّبات خاصة تحمي البروتينات من التلف أثناء الجفاف، مثل السكريات الواقية ومواد مضادة للأكسدة تعمل على حفظ أنسجتها. هذا التكيّف النادر يجعلها من أكثر الكائنات النباتية تحمّلًا للجفاف في العالم.
الاستخدامات الشعبية والعلمية
في الثقافات القديمة، كانت نبتة القيامة تُستخدم كتميمة رمزية للحياة والازدهار، ويعتقد البعض أنها تجلب الحظ والرخاء عند وضعها في المنزل. كما استُخدمت في الطب الشعبي لعلاج مشاكل التنفس والمعدة، وإن كانت تلك الاستخدامات لا تستند إلى دراسات علمية دقيقة بعد.
أما في العصر الحديث، فقد أثارت اهتمام الباحثين في مجالات البيولوجيا الجزيئية والتقنيات الحيوية، إذ يُدرسون قدرتها على الصمود بهدف تطوير محاصيل مقاومة للجفاف، وهي خطوة قد تغيّر مستقبل الزراعة في البيئات القاحلة.
رمز بيئي ورسالة للحياة
ليست نبتة القيامة مجرّد معجزة طبيعية فحسب، بل هي رسالة من الطبيعة عن الأمل والتجدّد. فهي تُذكّر الإنسان بأن الحياة يمكن أن تعود حتى بعد أقسى الظروف، وأن الطبيعة تملك أسراراً تفوق الخيال العلمي.
وفي زمنٍ تتزايد فيه آثار التغير المناخي وشحّ المياه، تبقى هذه العشبة مثالاً يُحتذى به في الصبر والتكيّف، ودليلاً على أن الحياة لا تنطفئ، بل تنتظر فقط قطرة المطر لتزهر من جديد.
