بقلم : أحمد رشدي
لم أكن من الرجالٍ الذين يطاردون الأساطير
ولا من الذين يرفعون وجوههم إلى السماء
بحثاً عن ضوءٍ مُعلّق
كنتُ أرضياً بما يكفي
أمشي على مهل
وأحمل قلبي
كما يحمل المسافر حقيبته
حتى رأيتُ عينيها
عندها فقط
فهمتُ أن القمر ليس وهجاً بعيداً
ولا حجراً فضيّاً يدور في ليلٍ بارد مظلم
بل هو بابٌ سرّي مضئ
يُفتح حين تنظر إليّ
فتظهر في نظرتها
رحلةٌ كاملة
لا تحتاج سفراً ولا جناحين
كلما التقت عيناي بعينيها
كنتُ أشعر أن الأرض تخفّ من تحتي
وأن الجاذبية تفقد سلطانها على خطواتي
فأرتفع.
كأنني أتسلق وهجاً يخصّني وحدي
وفي عمقهما
كنت أرى البحار تهدأ
والليل يلين
وكأن العالم كله يجد مبرّره
في سكون محيطهما الواسع ذو البريق.
أعرف أن الوصول إلى القمر
حلمٌ يتطلّب شجاعة العلماء
وصبر الرحّالة
لكنها اختصرت الطريق
جعلت للضوء ملامح
وللمسافة معنى
وللقلب قدرة
لا يعترف بها إلا حين يشتعل بالحنين
كانت نظراتها
تجعلني أؤمن أن الصعود
ليس خطوة نحو السماء
بل خطوة نحوها هي
ففي عينيها
يصبح الليل وطناً
ويصبح الوميض طريقاً
ويصبح الرجُل نفسه قمراً صغيراً
يتوهّج كلما اقترب منها
سألتني مرة:
إلى أين تذهب حين يطول صمتك؟
قلتُ لها بطمأنينة لا تعرف الادعاء:
إني أرحل إلى القمر
لا في السماء
بل في عينيكِ أنتِ
ففيهما وحدهما
أجد ما لا يُدرَك
وأصعد دون أن أبرح مكاني
كأن قلبي هو المركبة
ونظراتك هي الرحلة
ومنكِ يبدأ الضوء…
وإليكِ يعود.

1 تعليق
من اجمل ما قراءات في الفترة الأخيرة
تمنياتي بدوام النجاح