بقلم: خديجة ربيع “أسيرة القلم”
أمضيتُ من عمري سنين أُقاتل بصمت، أستنزف نفسي حتى آخرها لأصنع نجاحًا لا يُهدى بل يُنتزع. كنت أظن أن الجهد إذا اشتدّ رُئى، وأن التعب إذا طال أُنصف، وأن الجهد إذا اشتدّ استحق تصفيقًا، كنت أظن أن التعب إذا رآه القريبون سيُثمر دعمًا، لكن لم أحصد إلا خذلانًا فادحًا، مؤلم أن يكون الذي يعصرك من دمك ثم يتركك تُنزف بكلماتٍ لا تُشفى، قائلين: إن ما وصلتُ إليه ليس لي، وإنني لا أستحق، وإنني عبء لا حاجة له. لم تكن كلماتهم رأيًا، بل حكمًا بالإعدام على فرحٍ كان يتكوّن. كانوا يطفئون سعادتي عمدًا، بعد أن كنت كطيرٍ اتّسعت له السماء وضاقت به الجدران. يومها لم أنهَر، لكنني انكسرت من الداخل، ووقفت مشفقة على نفسي، لا ضعفًا، بل دهشةً من هذا القسوة.
كنت أنتظر منهم كلمة واحدة، لا تصفيقًا ولا مديحًا، مجرد اعتراف صغير يُكمل فرحتي، سعادتي آنذاك كانت معلّقة برضاهم. غير أن الألم لا يُشرح، ألم ممتد، كسر صامت، والخذلان لا يندمل بسهولة، تمرّ الأعوام والألم لا ينسى موعده، يطرق القلب بلا استئذان، يذكّرك بحزنٍ ظننت أنه نام، وبسؤال لا جواب له: كيف تُرضي من لا يريد لك الرضا، كيف تُسعد من ينزع الفرح من يديك عمدًا، كسروا طموحًا كان يتشكل، أدركت متأخرًا أن سعيي كان يُخيفهم، وصعودي يُفضح ثباتهم، ونجاحي تهديدًا لهم، أدركت أن بعض الناس لا يحتملون أن يروك أعلى، يسعون جاهدين ليبقوك أقل، ثم جاءت لحظة الوعي، لحظة أن الفرح لا يُستجدى، وأن النجاح لا يحتاج إذنًا من أحد. عوّضني الله بأناسٍ آخرين، لم تجمعني بهم سنون، لكن جمعني بهم صدق، أناس يفرحون لك دون غيرة، ويصفقون لك دون خوف، ويحتفون بك لأنك تستحق، وقلوبهم تتسع لنجاحك
حينها فقط تعجّبت: كيف لكل هذا الفرح أن يولد في قلوبٍ لم تعش معي؟ وكيف لمن كسرني يومًا لم يخف أن يخسرني للأبد؟ عندها فقط فهمت: ليست العشرة بطولها، بل بصدقها، وليس القرب بالدم؛ بل بالرحمة، وأخيرًا فإن بعض النجاحات تُدفع ثمنًا مضاعفًا، لأنك حين تعلو، تُجبر من حولك على رؤية قاعهم واليوم لا ألتفت. فقد تعلّمت أن من لا يحتمل نورك، لا مكان له في سمائك.
والحمد لله على العوض الذي جاء، وعلى الرضا الذي استقر، وعلى قلبي الذي لم يمت.
