نهاد عادل
في ظل الانتشار الواسع للهواتف الذكية ومنصات المشاهدة، اعتاد كثيرون على السهر لساعات طويلة في تصفح الشاشات أو متابعة الأفلام قبل النوم، ما يؤدي إلى تأخير وقت الخلود إلى الراحة. غير أن الاستمرار في هذه العادة لا ينعكس فقط على نمط الحياة، بل يترك آثارًا صحية ونفسية واضحة، من أبرزها مظاهر الإرهاق والشيخوخة المبكرة.
ويؤكد مختصون أن الحرمان من النوم أو الأرق يؤثر سلبًا في قدرة الجسم على تجديد نشاطه، كما يسبب ظهور الهالات السوداء تحت العينين، ما يعطي انطباعًا دائمًا بالتعب وضعف الصحة. فالنوم الصحي يُعد آلية أساسية لعمل الجسم، إذ يساعد على ترميم الخلايا، وتنشيط الأعضاء، وتعزيز المناعة، وبعث الحيوية والنشاط.
وتشير الدراسات إلى أن الأشخاص الذين ينامون أقل من 7 ساعات يوميًا لفترات طويلة يعرضون أنفسهم للإجهاد المزمن، ما يزيد من احتمالات الإصابة بالاكتئاب والتوتر. كما يؤدي السهر إلى ارتفاع إفراز هرمون الكورتيزول (Cortisol)، وهو هرمون يُفرز استجابة للضغط النفسي، ويؤثر في توازن وظائف الجسم الحيوية.
قلة النوم لا تقتصر آثارها على الجسد فقط، بل تمتد إلى الصحة النفسية والسلوك اليومي. فقد أظهرت أبحاث علمية أن السهر يضعف قدرة الدماغ على التحكم بالمشاعر، ما يجعل الشخص أكثر عرضة للغضب والانفعال السريع. كما أن الأشخاص الذين لا يحصلون على قسط كافٍ من النوم يكونون أكثر اندفاعًا وأقل انضباطًا في تصرفاتهم مقارنة بمن ينامون جيدًا.
وفي السياق ذاته، تزيد قلة النوم من احتمالية التعرض لنوبات عاطفية حادة، حيث يبالغ الفرد في مشاعر الحزن أو القلق، الأمر الذي قد يدفعه إلى سلوكيات غير مرغوب فيها.
ويحذر الأطباء من أن نقص النوم بمعدل ساعتين يوميًا لمدة أسبوعين فقط كفيل بإحداث خلل في الجهاز المناعي، ما يزيد من فرص الإصابة بنزلات البرد المتكررة. كما تؤثر قلة النوم بشكل مباشر في القدرات الذهنية والتركيز، إذ تشير إحصاءات رسمية إلى أن حوادث السير الناتجة عن ضعف التركيز بسبب قلة النوم تفوق تلك الناتجة عن القيادة تحت تأثير الكحول.
تتسبب قلة النوم في اضطراب إفراز الهرمونات، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الوزن، إذ ترتفع مستويات هرمون “غريلين” المسؤول عن الشعور بالجوع، ما يعزز الرغبة في تناول الطعام بكثرة.
كما ترتبط قلة النوم باضطرابات نفسية متعددة، أبرزها الاكتئاب والخوف المرضي، حيث يصنف الأطباء اضطرابات النوم ضمن الأعراض الرئيسية المصاحبة لأمراض الاكتئاب.
وتشير دراسات إلى أن قلة النوم ترفع من خطر الموت المبكر، لعدم وصول الجسم إلى مستوى الراحة المطلوب، فضلًا عن أن الأمراض الناتجة عن السهر المزمن تزيد من هذا الخطر. وفي المقابل، فإن الإفراط في النوم قد يكون ضارًا أيضًا، إذ لا تعني زيادة عدد ساعات النوم بالضرورة تحسن جودته.
ويحتاج معظم البالغين إلى ما بين 7 و9 ساعات من النوم الجيد يوميًا. أما الأطفال والمراهقون، فتختلف احتياجاتهم بحسب العمر، وفقًا للأكاديمية الأمريكية لطب النوم، حيث تتراوح من 12 إلى 16 ساعة للرضّع، وتقل تدريجيًا لتصل إلى 8–10 ساعات لدى المراهقين.
ولتحقيق نوم صحي، ينصح الخبراء بالالتزام بجدول نوم منتظم، من خلال النوم والاستيقاظ في أوقات ثابتة يوميًا، إضافة إلى تهيئة بيئة نوم مناسبة من حيث راحة السرير وهدوء الغرفة، والابتعاد عن استخدام الأجهزة الإلكترونية قبل النوم.
في النهاية، يبقى النوم الجيد ركيزة أساسية للصحة الجسدية والنفسية، وسلوكًا يوميًا لا يقل أهمية عن التغذية السليمة وممارسة النشاط البدني.
