الحج في شهر ذي الحجة.. الحقيقة الثابتة عبر التاريخ

د/حمدان محمد
يعد الحج من أعظم الشعائر الإسلامية، وهو ركن من أركان الإسلام الخمسة التي فرضها الله على المسلمين القادرين، كما قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ (آل عمران: 97). وقد ثبت شرعًا وتاريخيًا أن الحج لا يكون إلا في شهر ذي الحجة، وهذا ما تدل عليه النصوص الشرعية والإجماع الإسلامي.
وقد أكد القرآن الكريم أن الحج له أشهر معلومات، حيث قال الله تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ﴾ (البقرة: 197)، وهذه الأشهر هي شوال وذو القعدة وأيام من ذي الحجة، لكن أداء المناسك الأساسية كعرفة والمبيت بمزدلفة ومنى يكون في الأيام المحددة من شهر ذي الحجة، وخاصة يوم التاسع (يوم عرفة) والعاشر (يوم النحر) وأيام التشريق (11–12–13).
ويوم عرفة هو اليوم التاسع من ذي الحجة، وهو أهم أركان الحج، وقد جاء في حديث صحيح عن النبي ﷺ: “الحج عرفة” (رواه الترمذي وصححه الألباني)، مما يدل على أن هذا اليوم هو الركن الأعظم للحج.
وقد ثبت في الحديث الصحيح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه في وصفه لحجة النبي ﷺ، أنه قال: “فلمّا كان يوم التّاسع، خرجوا إلى عرفة فوجدوا القُبّة قد ضُربت له بنَمِرة، فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس أمر بناقته القصواء فرُحلت له، فأتى بطن الوادي، فخطب الناس، ثم أذّن ثم أقام فصلّى الظهر، ثم أقام فصلّى العصر، ولم يُصلّ بينهما شيئًا، ثم ركب حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته إلى الصّخرات، وجعل حبل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة، فلم يزل واقفًا حتى غربت الشمس” (رواه مسلم).
وهل حج النبي ﷺ أو الصحابة في غير شهر ذي الحجة؟
لم يثبت عن النبي ﷺ ولا عن أحد من الصحابة أنهم حجوا في غير شهر ذي الحجة، بل الثابت أنهم التزموا بهذا الشهر دائمًا. ومن المعروف أن العرب في الجاهلية كانوا يقومون بتغيير ترتيب الأشهر عبر النسيء، أي تأخير أو تقديم الأشهر الحرم، مما أدى إلى اضطراب في توقيت الحج، لكن النبي ﷺ أعاد الأمور إلى نصابها في خطبة الوداع، حيث قال: “إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض” (متفق عليه)، وهذا يعني أن الأشهر رجعت إلى ترتيبها الصحيح، وبالتالي فإن الحج لا يكون إلا في شهر ذي الحجة.
والحج لا يكون إلا في شهر ذي الحجة، وهذا ما تؤكده نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع الأمة الإسلامية. وقد حج النبي ﷺ وأصحابه في هذا الشهر، ولم يُعرف عن أحد منهم أنه حج في غيره. وعليه، فإن أي دعوى بأن الحج يمكن أن يكون في غير هذا التوقيت هي دعوى باطلة لا أصل لها في الشرع ولا في التاريخ الإسلامي.