الأدبديني

هل العدل أن يتنازل صاحب الحق ؟!

د. فرج العادلي

بداية أقول:
جاء عن بعض دور الإفتاء أن الضغط على المظلوم وتخطئته لإقناعه بالصلح، أمر محرم شرعا.

وهو من قبيل الصلح الجائر الظالم، المخالف لما جاء به ربنا سبحانه وتعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ،

فلا يجوز الإصلاح بين الخلق إلا بالعدل؛

قال الله تعالى: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}

فإن كان للمظلوم حق فيجب على الوسيط أن يُمكّن هذا المظلوم من أخذ حقه، ثم يُطلب منه أن يترك بعض حقه (بدون ضغط إن كان في ذلك مصلحة).

قال ابن القيم رحمه الله: “والصلح العادل: هو الذي أمر اللَّه تعالى به ورسوله صلى الله عليه وسلم ، كما قال تعالى: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ} والصلح الجائر هو الظلم بعينه.
وكثير من الناس صار لا يعتمد العدل ولا القسط في الصلح، بل يصلح صلحًا ظالمًا جائرًا، .. وكثير من الظلمة الذين يظهرون في ثوب وزي المصلحين، يصلحون بين القادر الظالم، والخصم الضعيف المظلوم، بما يحبه القادر ويرضاه تقربًا وتزلفا لصاحب الجاه أو القوة أو المال، ويكون له في ذلك نفع لا محالة، ويكون الإغماض والحيف والظلم على الضعيف، ويظن أنه قد أصلح!!، ولا يتمكن المظلوم من أخذ حقه، وهذا ظلم.
بل يُمكَّن المظلوم من استيفاء حقه، ثم يُطلب إليه برضاه أن يَتْرك بعض حقه بغير محاباة لصاحب الجاه، ولا يشتبه بالإكراه للآخر بالمحاباة ونحوها”اهـ. إعلام الموقعين (2/ 203). بتصرف قليل

ثانياً:
جاء عن بعض أهل العلم
أنه من باب الحرص على إقامة العدل وعدم الظلم في الصلح: نص كثير من الفقهاء إلى أن الذي يحكم بين الناس لا يدعو الخصوم إلى الصلح، إلا إذا لم يتبيّن له الحق، أو التبس عليه في القضايا المشكلة.

أما إذا تبيّن له الحق: فالواجب عليه الحكم بالعدل. وليس بالمساومة بين المتخاصمين.

ومع ذلك، إذا اتفق الطرفان على الصلح، أو رأى الذي يحكم بينهما أن الصلح يحمل في طياته مصلحة تُرجَّح على الفصل القضائي؛ كأن يخشى تفاقم النزاع واشتداد الفتنة بينهما، جاز له حينئذ أن يدعوهما إلى التصالح. وذلك يكون عند تساوي الخصماء في القوة والقدرة.

قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «ردوا الخصوم حتى يصطلحوا، فإن فصل القضاء يورث الضغائن بين الناس».

قال سفيان الثوري: «ولكنا وضعنا هذا إذا كانت شبهة، وكانت قرابة، فأما إذا تبين له القضاء، فلا ينبغي له أن يردهم». رواه عبد الرزاق في مصنفه (8/ 303)، وابن أبي شيبة في المصنف (4/ 534)، والبيهقي في السنن الكبرى (6/109)، وقال البيهقي: “هذه الروايات عن عمر رضي الله عنه منقطعة، والله أعلم”اهـ. وأعله ابن حزم أيضاً بالانقطاع.

وقال: ” وأيضا: فإن ترك الحكم بينهم حتى ينزل المحق على حكم الباطل، أو يترك الطلب، أو يمل من طلب المبطل فيعطيه ماله بالباطل، أشد توريثا للضغائن بين القوم من فصل القضاء بلا شك”اهـ. المحلى بالآثار (6/ 469).

و”قال عطاء رحمه الله: «لا يحل للإمام أن يصلح، بينهم إذا تبين له القضاء»،

وقاله معمر، عن ابن أبي ليلى” مصنف عبد الرزاق (8/ 304).

وفي المبسوط للسرخسي الحنفي (20/ 136): “القاضي لا ينبغي له أن يعجل، وأنه مندوب إلى أن يرد الخصوم ليصطلحوا على شيء ويدعوهم إلى ذلك، فالفصل بطريق الصلح يكون أقرب إلى بقاء المودة والتحرز عن النفرة بين المسلمين.

ولهذا وغيره فإن كثيرا من الذين يصلحون بين الناس خاصة في المجالس العرفية يقعون في ظلم شديد سيتحملونه يوم القيامة أمام الله تعالى، وسيدفعونه من حسناتهم أو تطرح عليهم سيئات المظلومين حتى يكبون في النار على مناخرهم، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا!
وهؤلاء (عياذا بالله) من الذين باعوا دينهم وأخراهم بدنيا غيرهم للأسف الشديد !!

فاحذروا يا أيها الناس على دينكم وآخرتكم واتقوا قهر المظلوم ودعوته فإنها لا تُرد، ولا تظن أنك تحابي رجلا قويا على مظلوم فتنتفع به، لا، بل أنت تجعل نفسك تحت بطش الملك الجبار، ومن كان الله عليه فمن معه؟!
وإن الفصل بالقانون هذه الأيام قطعا أفضل من الفصل بالمجالس العرفية خاصة في هذا الزمان، لخراب الذمم.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى