“مقشة حزينة”

بقلم: السيد عيد
لا تسألني عن عمري… فالمقشات لا تملك شهادات ميلاد. نحن نُخلَق من عصا وسُعف، ونعيش في الزوايا نُراقب الدنيا من تحت أكوام الغبار والأطراف المهملة.
كنتُ ذات يوم ملكة نظافة، سيّدة الصباحات، أتنقّل بخفّة بين البلاط، أزيح الغبار وأرفع الهِمَم. لكن الزمن… يكنسنا كما نكنسه!
عشتُ سنواتي الأولى في عزّ الخدمة، كانوا لا يبدأون نهارهم دون سحبة أنيقة بي، وكأنني موسيقى افتتاحية لفرقة باليه! أسمع “هات المقشة”، فأُسحب في فخر من وراء الباب، أتلوّى بانضباط عسكري وأبدأ العرض.
رأيتُ كل شيء من تحت: أحذية فوق المقامات، ووجوه مقلوبة في النعال، يرفعون رايات الشرف، بينما يطمرون الأموال في صناديق لا تفتح إلا في موسم توزيع الرشاوى.
وآخرون يتحدثون عن العدالة، بينما يبيعون المبادئ في أسواق تحت الطاولة.
وآخرون يرددون شعارات النزاهة، بينما يخفون الفساد في جيوبهم ويعدون التغيير في كل موعد انتخابي.
وآخرون يتباهون بالشرف، بينما يطردون الحقيقة إلى الزوايا البعيدة عند كل استحقاق سياسي.
عشتُ في بيوت تشبه أهلها، منها من كان يكنس الحوش أكثر مما يغسل يده، ومنها من استخدمني في مهام غير شرعية… كالضرب مثلاً!
ثم جاءني عصر الانكسار، لمّا نبت فيّ شَعرة بيضاء، وانحنت عصاي من كثرة “الاستخدام”.. استبدلوني بمكنسة صينية كهربائية تصدر صوتًا لا يطرد غبارًا بل يُزعج العفاريت!
اليوم، أعيش خلف الغسالة، مطأطئة الرأس ، نصف عرجاء، أتحول تدريجيًا إلى شماعة ملابس، أو سند لصندوق بصل مكسور. تمرّ بي الأقدام دون أن تلاحظ، وأنا أتنفس التراب الذي كنتُ يومًا أُطرده… فيا لسخرية المصير!
لكنني رغم كسري، ما زلت أذكر مقولتي المفضلة:
“نحن المقشات نكنس الأوساخ، لكننا لا نحملها!”
أما من يحملها؟ فابحث عنهم في نشرات الأخبار، او برامج التيك شو أو في أرشيف البرلمان، أو على البساط الأحمر الذي لا يمرّ عليه أحد… دون أن يترك وراءه شيئًا يكنس!