“المسحراتي.. بهجة الأطفال وذكريات لا تُنسى في ليالي رمضان

تقرير ـ مها سمير
مع حلول شهر رمضان المبارك تتزين ليالي مصر بصوت المسحراتي ذاك الرجل الذي يجوب الشوارع والأزقة بطبلته الشهيرة وصوته العذب ليوقظ الصائمين للسحور في طقس رمضاني أصيل يجمع بين الروحانية والتقاليد الشعبية المتوارثة عبر الأجيال.
يرجع ظهور المسحراتي إلى عهد الدولة الإسلامية حيث كان الخليفة “عمر بن الخطاب” -رضي الله عنه- أول من قام بإيقاظ الناس للسحور وهو ينادي في طرقات المدينة.
وفي مصر بدأ هذا التقليد في العصر الفاطمي حين كان الحاكم بأمر الله يرسل الجنود لقرع الطبول في الشوارع وقت السحور.
ومع مرور الزمن أصبح المسحراتي شخصية مستقلة يتولى مهمة إيقاظ الصائمين بوسائل مختلفة بدءًا من العصا والنقر على الأبواب وصولًا إلى الطبلة والدف.
يتميز المسحراتي في مصر بأسلوبه الخاص حيث يتجول في الحواري وينادي بأسماء أهل الحي مرددًا عبارات مثل: “اصحى يا نايم وحد الدايم” أو “سحور يا صايم”، مستخدمًا طبلة صغيرة يضرب عليها بإيقاع ثابت.
وتختلف أساليبه من منطقة لأخرى ففي بعض الأماكن يستخدم الدف أو المزمار بينما في الريف قد يكتفي بالمناداة بصوته فقط.
كما أن للمسحراتي طابعًا فنّيًا حيث ارتبط بفنون الإنشاد والتواشيح خاصة في العصر المملوكي والعثماني حيث كان يردد أدعية وأهازيج دينية يضفي بها طابعًا روحانيًا على السحور. وفي بعض الأحيان كان المسحراتي يُكافأ بعد انتهاء رمضان حيث يمر على البيوت ليجمع “العيدية” من أهل الحي.
رغم التطور التكنولوجي وظهور المنبهات وأجهزة التنبيه الحديثة لا يزال المسحراتي حاضرًا في وجدان المصريين خاصة في الأحياء الشعبية والمناطق الريفية حيث يحافظ على هذا الموروث الرمضاني الجميل وفي بعض الأماكن تحولت شخصية المسحراتي إلى جزء من العروض الفنية والمسابقات الثقافية في رمضان للحفاظ على هذا التراث.
رغم مرور الزمن وتغير العادات يبقى المسحراتي أحد أبرز ملامح الشهر الكريم في مصر وصوتًا مألوفًا يبعث في النفوس الدفء والحنين ويؤكد أن رمضان ليس مجرد صيام بل تجربة روحانية واجتماعية متكاملة يظل المسحراتي رمزًا لها حارسًا للياليها ومذكّرًا بقيمها وتقاليدها العريقة.
و يظل المسحراتي جزءًا لا يتجزأ من الأجواء الرمضانية في مصر ليس فقط للكبار بل للأطفال الذين يجدون فيه مصدرًا للفرح والدهشة ويصنعون معه ذكريات تبقى محفورة في قلوبهم حتى الكبر.
فمع دقات طبلته وإيقاع كلماته تلمع عيون الصغار فرحًا وهم يراقبونه يجوب الشوارع ينادون عليه يركضون خلفه ويرددون عباراته الشهيرة في حماسة.
تعد لحظات انتظار المسحراتي من أكثر الأوقات متعةً للأطفال خاصةً عندما يتجمعون على الشرفات أو خلف النوافذ يترقبون مروره.
بعضهم يصرّ على السهر حتى يسمع صوته بينما آخرون يستيقظون فجأة على نداءاته المميزة ليقفزوا من أسرتهم فرحين بمشاهدته.
أما أكثر لحظاتهم إثارة فهي تلك التي يخرجون فيها إلى الشارع للحاق به يلوحون له بأيديهم وأحيانًا يطلبون منه أن ينادي على أسمائهم ليشعروا أنهم جزء من هذا الطقس الرمضاني المميز.
في بعض الأحياء قد يحمل المسحراتي طفلًا صغيرًا على كتفه أو يسمح لهم بقرع طبلته مما يجعلهم يشعرون وكأنهم شركاء في هذه المهمة الرمضانية الممتعة.
لطالما كانت شخصية المسحراتي رمزًا لذكريات الطفولة الجميلة حيث يروي الكثير من الكبار اليوم عن لحظات ركضهم خلفه في أزقة الحي أو كيف كانوا يقلدونه يحملون طبلة صغيرة ويجوبون المنازل مرددين نفس العبارات ليعيشوا أجواءه بطريقتهم البريئة.
كما أن بعض الأطفال كانوا يصرّون على البقاء مستيقظين ليلاً فقط لرؤيته وأحيانًا يتسللون من غرفهم إلى الشرفات في انتظار قدومه وكأنها مغامرة صغيرة في قلب الليل.
أما الأكثر حظًا منهم فكانوا يحظون بمكافأة صغيرة منه، سواء بابتسامة خاصة أو بذكر أسمائهم بصوته العذب مما يجعل فرحتهم مضاعفه.
ورغم تغير الزمن ودخول التكنولوجيا إلى كل تفاصيل حياتنا تبقى فرحة الأطفال بالمسحراتي واحدة من أكثر اللحظات المميزة في رمضان فهو ليس مجرد رجل يوقظ النائمين للسحور بل رمز للبهجة والدفء العائلي وذكرى جميلة تلازم كل من عاش هذه التجربة تعود إلى الأذهان مع كل رمضان جديد.