بقلم: السيد عيد
نحن نعيش كغرباء على أنفسنا، نتلمس الطريق في متاهة من اللحظات العابرة، نحاول الإمساك بما يمرّ بين أصابعنا، لكنه دائمًا يهرب. كل لقاء يترك أثرًا، وكل وداع يزرع فينا صمتًا جديدًا، وكأن الحياة تتحدث بلغة لا يفهمها إلا من تجرّع طعم الفقد. فكم من غالٍ فارق الحياة، وترك القلب يئن من الوحدة، وترك العالم يستمر كأن شيئًا لم يحدث، كأن الشمس تشرق والرياح تهب، وكأن الزمن لا يهتم بالدموع التي خلفها الرحيل.
الزمن يمضي بصمت لا يعرف الرحمة، والأرواح تتقاطع ثم تنفصل، تتركنا نحمل في قلوبنا طيفًا من الحب والحنين والخسارة معًا. في كل ألم نعيشه، في كل دمعة نزفها، هناك درس خفي: أننا لسنا هنا لنفهم كل شيء، بل لنشعر بكل شيء، أن نحتضن اللحظة بكل فرحها وحزنها، بكل ضحكها وبكل دمعة تغادرها، حتى لو رحل من أحببناهم إلى الأبد.
ورغم كل فراق، يبقى الجمال: القدرة على أن نستمر، أن نحب بلا شروط، أن نحلم بلا ضمان، أن نحتفظ بالذكريات كما لو كانت شمسًا صغيرة تدفئ قلوبنا في ظلمة الغياب. الفراق ليس نهاية، بل تذكير بأننا هنا، وأن كل لحظة، وكل لقاء، وكل وداع يجعلنا أكثر وعيًا بحقيقة أننا نعيش، وأن الحياة، مهما بدا الفراغ فيها عميقًا، مليئة بالصدى، مليئة بالحب، ومليئة بالأثر الذي يتركه من رحلوا قبل أن نستوعبهم بالكامل.
ورغم أن من فارقنا قد رحل إلى حيث لا نراه، تبقى روحه حاضرة في تفاصيل حياتنا اليومية، في أصوات الماضي، في لحظات الصمت، في ابتسامة أو دمعة، لتخبرنا بأن الحياة تستمر، وأننا مضطرون للمشي على هذا الطريق، نحتضن الغياب كما نحتضن الوجود، ونتعلم أن نعيش، حتى في غياب من أحببناهم.
وفي النهاية، ربما السر الحقيقي للحياة يكمن في هذا التوازن الرقيق: بين اللقاء والفراق، بين الظل والنور، بين ما نملك وما نفقد، حيث نصبح نحن الوجود ذاته، نحمل بين قلبينا كل ما مضى وما سيأتي، ونتعلم أن نكون حاضرينا في لحظة واحدة، هنا، الآن، بكل إحساسها وصمتها وغموضها، لأن في هذا الصمت، وحده، يكمن معنى أن نكون أحياء.
