دارين محمود
في مثل هذا اليوم من عام 2011، طُويت صفحة من أطول فصول الحكم في التاريخ العربي الحديث، بمقتل الزعيم الليبي معمر القذافي في مسقط رأسه بمدينة سرت. شكل هذا اليوم نهاية مأساوية لـ 42 عاماً من السلطة المطلقة، وبداية لمرحلة جديدة وغامضة في تاريخ ليبيا.
حكم “الجماهيرية”: أربعة عقود من التفرد
منذ أن قاد معمر القذافي ثورته العسكرية في الأول من سبتمبر عام 1969، مُطيحاً بالملك إدريس السنوسي، أعلن عن تأسيس الجمهورية العربية الليبية، ثم تحولت لاحقاً إلى ما أسماه “الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى” عام 1977، مُصدراً “الكتاب الأخضر” كمرجعية نظرية لحكمه القائم على نظام المؤتمرات الشعبية.
تميز عهد القذافي بالتفرد في السلطة والمركزية الشديدة، وغالباً ما كان مثيراً للجدل على الصعيدين الداخلي والدولي. فبينما يرى مؤيدوه أنه كان زعيماً قومياً يحاول تحقيق الاكتفاء الذاتي لبلاده ويقف في وجه الهيمنة الأجنبية، يصفه معارضوه بأنه كان حاكماً مستبداً أهدر ثروة البلاد النفطية وألغى الحياة السياسية والمؤسساتية الحقيقية، مُنشئاً نظاماً مبنياً على الولاءات الشخصية والقبلية أكثر من كونه نظام دولة حديثة.
السقوط المدوي: من بنغازي إلى سرت
في فبراير 2011، ومع موجة “الربيع العربي” التي اجتاحت المنطقة، اندلعت احتجاجات واسعة في مدينة بنغازي، وسرعان ما امتدت إلى مناطق أخرى. واجه النظام هذه الاحتجاجات بالقوة، ما أدى إلى تحولها إلى نزاع مسلح واسع.
ومع تدخل حلف شمال الأطلسي (الناتو) بقرار من مجلس الأمن لحماية المدنيين، بدأت الكفة تميل لصالح المعارضة المسلحة (التي عُرفت لاحقاً بـ “المجلس الوطني الانتقالي”). وفي أغسطس 2011، سقطت العاصمة طرابلس بيد “الثوار”، واختفى القذافي عن الأنظار لتبدأ رحلة ملاحقته.
يوم النهاية: 20 أكتوبر 2011
وصلت رحلة القذافي الأخيرة إلى مدينة سرت، مسقط رأسه، والتي أصبحت آخر معاقل قواته الموالية. في يوم 20 أكتوبر 2011، حاولت قافلة من السيارات تقل القذافي وكبار معاونيه الفرار من المدينة المحاصرة، لكنها تعرضت لقصف من طائرات الناتو، مما أدى إلى تشتتها.
أُلقي القبض على القذافي، مصاباً، من قبل مقاتلين تابعين للمجلس الوطني الانتقالي في محيط المدينة. وما تلا ذلك من أحداث تم تصويره وتناقله عبر العالم، حيث لقي حتفه في ظروف ما زالت تثير الجدل حول ملابساتها الدقيقة.
ما بعد القذافي: تداعيات المرحلة
أُعلن مقتل القذافي كنهاية لحقبة طويلة، واستقبل الخبر بترحيب دولي واسع، لكنه كان أيضاً إيذاناً ببدء فصل مضطرب في تاريخ ليبيا. فبدلاً من الاستقرار المنشود، شهدت البلاد انقسامات متزايدة وصراعاً مسلحاً بين فصائل وميليشيات متناحرة، أدى إلى فوضى سياسية وأمنية، وتدخلات أجنبية، وتحول ليبيا إلى ساحة لتنافس القوى الإقليمية والدولية.
يبقى يوم 20 أكتوبر 2011 نقطة تحول حاسمة. لقد أزاح شخصية تاريخية أثارت الجدل لعقود، لكنه ترك خلفه فراغاً سياسياً كبيراً، تحول إلى تحدٍ مستمر لليبيين حتى اليوم في سعيهم لبناء دولة مستقرة وموحدة.
