د. نادي شلقامي
خطوات… تتسلل في منامي.
المساء يخيم على الشقة بكل تفاصيله…
أبيت في غرفتي،
لأنني أشعر — ويشعر من حولي — أنني على وشك الدخول في وعكة صحية شديدة.
وأنا في أعمق مراحل النوم،
أحس بخطواتها تقترب رويدًا رويدًا نحو مقبض الباب…
أهي تدخل لتطمئن عليّ؟ أم لتتأكد إن كنت نائمًا فعلًا أم أتظاهر بالنوم لأجري مكالمة هاتفية مع…؟
فتحت الباب في هدوء شديد، وجلست بجواري على السرير،
وضعت أناملها على جبهتي تتحسس الحرارة في رفقٍ وحنان.
اقتربت من أذني، وهمست بخوفٍ ودفءٍ وشفقة:
«شفاك الله وعافاك، يا أغلى الناس وروح قلبي…»
كانت كلماتها تنساب إلى أذني كأنها مقطع من أغنية أم كلثوم – “أمل حياتي”…
اقتربت وجنتاها من وجهي وقالت في صوتٍ مرتجف بالعاطفة:
«أنت سندي في الدنيا، وملاذي بعد ربنا… زوجي، وأخي، وابني، وأبي… وكل عمري.»
شعرت أن تلك الكلمات الرقيقة تسري في دمي دواءً وعافيةً،
حتى بدأت حرارة جسدي تنخفض، كأن المرض يخاف من حنانها فيهرب بعيدًا.
فتحت عيناي قليلاً… لأرى أمامي حورية من حور الجنان.
تساءلت بصوتٍ خافت:
«أأنا في الجنة حقًّا؟ أم أنني أهذي من أثر الحمى؟»
وضعت رأسي على كتفها، فقالت في حنانٍ لا يوصف:
«لو كنت أستطيع أن أتحمل عنك المرض لفعلت،
فأنت عمري، وحبيبي، وزوجي، وابني، وكل ما أملك…
أخاف عليك من نَسَمات الهواء ومن غبار الطريق…»
ثم أخذت تُلقي عليّ كلماتٍ أشبه بالقصيدة،
كأنها نسجت من عذوبتها شعرًا لا يُكتب، ولا يُنسى.
قلت لها وأنا أبتسم في دهشةٍ:
«من أنتِ يا سيدتي؟ أأحلم بكِ؟ أم أنني فقدت عقلي من فرط الحمى؟
أأنتِ زوجتي فعلًا… أم ملاك أرسله الله إليّ؟»
ابتسمت وقالت بهدوء:
«أنا زوجتك، وحب عمرك، وشريكتك في الدنيا والآخرة…»
ثم مدت يدها إلى منضدة صغيرة بجوارها، وأحضرت كوبًا من عصير الليمون الممزوج بأوراق النعناع.
سألتها:
«أهذا من صنع يديك؟»
فقالت في رقةٍ عذبة:
«نعم حبيبي… بالهناء والشفاء.»
وما إن انتهيت من شربه، حتى دوى صوت طرقٍ عنيف على الباب كأنه صوت مصارع.
قفزت من فراشي فزعًا وقلت:
«من هناك؟!»
جاءني صوتها — هذه المرة بصوتٍ مختلف تمامًا — تقول:
«أنا زوجتك يا راجل! قوم بقى خلينا نخلص من فيلم النوم ده…
تعال ذاكر للأولاد، ولا تعالى ساعدني في غسيل السجاد!»
تمتمت قائلًا:
«أعوذ بالله من الشيطان الرجيم… وأين ذهبت الحورية والليمون البارد والنعناع؟!»
ثم تنهدت وقلت في سخريةٍ حزينة:
«آهٍ على تخاريف الحمى ورعشة الحرارة…
ليتها تدوم…
فأحلم من جديد…
وألقاكِ أيتها الحورية…»
