د.نادي شلقامي
كثير من الناس يظنون أن الحديث عن الآخرين بالسوء أو نشر أسرارهم في الخفاء أمر عادي، لكن الحقيقة أن هذه الأفعال محرمة شرعًا، ومضرة نفسيًا واجتماعيًا. في القرآن الكريم والسنة النبوية، تم تحذير المؤمنين من الغيبة والنميمة، لما فيها من انتهاك لكرامة الإنسان، وزرع الفتنة بين الناس، وإضعاف روابط المجتمع. فالذي “يأكل لحوم الناس ميتًا” مجازيًا، هو من يغتاب ويشوه سمعة الآخرين بلا حق، ويبتعد عن الرحمة والخلق الحسن.
أولًا… التحريم الشرعي للغيبة والنميمة
الله تعالى قال في كتابه الكريم:
“ولا يغتب بعضكم بعضًا أَيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا فكرهتموه” (الحجرات: 12).
هذه الآية تُظهر التشبيه الصادم بين أكل لحم الإنسان ميتًا وغيبة الناس، لتبين مدى بشاعة هذا الفعل. فالغيبة تقتل البراءة، وتدمر سمعة الناس، وتزرع الحقد والبغضاء في المجتمع.
ثانيًا….تحذير السنة النبوية
ورد في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم:
“إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا يغتب بعضكم بعضًا” (رواه مسلم).
وقد قال ﷺ أيضًا: “من آذى أخاه في عرضه أو ماله فقد آذاني”، مما يدل على أن الأذى باللسان كالغيبة والنميمة محرم ومؤذي للآخرين.
ثالثًا…أضرار الغيبة والنميمة على الفرد والمجتمع
الذي يغتاب أو ينمِّي يصبح قلبه مليئًا بالحقد والسموم النفسية، ويبتعد عن الصفاء الداخلي والراحة النفسية. أما المجتمع، فالنميمة تزرع الفرقة، وتؤدي إلى فقدان الثقة بين أفراده، وتخلق بيئة سلبية مليئة بالشكوك والاتهامات الباطلة.
رابعًا….العلاج والوقاية
الابتعاد عن الغيبة والنميمة يبدأ بالوعي الشخصي، وضبط اللسان، ومحاسبة النفس. كما ينبغي التذكير الدائم بفضل الكلام الطيب، وحسن الظن بالآخرين، والإشادة بما هو خير في الناس، لأن هذا يرفع الروابط الاجتماعية ويعزز المحبة والاحترام.
خامسًا… وقالوا في الشعر أيضا
لقد عبّر الشعراء العرب عن خطر الغيبة والنميمة، فقال المتنبي:
“فلا خير فيمن لا يُخشى له لسانُه”
كما قال أيضًا:
“ألا تستحي من لسانك وأهلك، فإن الكلام سيف قاتل”
والمثل الشعبي يقول:
“من غاب عن العين غاب عن القلب، ومن غاب عن القلب اغتابه اللسان”
كل هذه الأشعار تحذر من سوء الكلام وتأثيره على الإنسان والمجتمع.
وختاما…إن “أكل لحوم الناس ميتًا” مجازيًا يرمز إلى الغيبة والنميمة، وهي أفعال محرمة شرعًا ومدمرة للنفوس والمجتمعات. قال النبي ﷺ: “لا يغتب بعضكم بعضًا”، فلتكن هذه الكلمات نصب أعيننا، ولنحرص على حفظ ألسنتنا، والابتعاد عن الحديث عن الآخرين بالسوء، ولننشر الرحمة والكلمة الطيبة في كل مكان، فالكلمة الطيبة صدقة، وهي أعظم من أن تكون سببًا في تدمير حياة الآخرين وسمعتهم.
