مذكرات مريض نفسي العاصفة

بقلم/ سالي جابر
كانت ليلةً لا يُسمع فيها إلا صدى الصراخ المدفون في أحشاء الريح…
السماء تمزّقت فوق رأسي كأنها تريد إخراجي من عقلي، كأنها تطاردني بفكرة أخرى، فكرة جديدة، لزجة، لا تموت.
الرعد لم يُخِفني، ولم تهزني ومضات البرق،
فأنا، منذ زمن، توقفت عن الارتعاش.
كان كل شيء من حولي يتهاوى، الأشجار تركض بلا جذور، والمطر يصفع النوافذ كأنه يسألني: “أما زلت هنا؟”
وأنا… ما زلت.
بداخلي قلبٌ تجمد، لا يدفأ، ولا يخاف،
قلب أُفرغ من كل شيء إلا من فكرة… واحدة.
سجينة، عنيدة، لا تموت.
كل ليلة عاصفة كانت بمثابة اختبار، هل ما زلتُ أملك بقايا إنسان؟
لكنني اكتشفت أنني منذ زمن بعيد أصبحت ظلًا…
ظِلًا لفكرةٍ تقف عند النافذة، تراقب كل شيء،
ولا تبكي.
الكل يرتعد حين يصرخ الرعد، أما أنا، فلا…
أنا فقط أراقب، وأبتسم كأنني أعرف هذا الصوت، كأنني سمعته من قبل في رأسي.
البرق؟ رأيته آلاف المرات في عيوني الحمراء المنتفخة من السهر.
الظلام؟ صديقي القديم، أتوسّد سكونه كل ليلة.
وفي خضم تلك الليلة، تمنّيت فقط لو أن برقًا واحدًا يخترق صدري،
ويحرق تلك الفكرة…
لكن لا برق يكفي، ولا عاصفة تُخرس هذا الصوت.
استيقظت… أو هكذا ظننت.
كان الصباح مشوهًا، كأن الليل لم يُغادر بعد.
قطرات المطر ما زالت تتشبث بزجاج النافذة، كأنها لم تجد مكانًا آخر تسقط فيه.
الهواء ثقيل، والضوء رمادي، بلا روح، بلا دفء… يشبهني.
نهضتُ متثاقلاً، خطواتي تُصدر صوتًا لا يسمعه أحد،
تمامًا كما تفعل أفكاري…
تتحرك داخلي بلا صوت، بلا صدى،
تضرب جدران عقلي كالأمواج، لكنها لا تترك أثرًا إلا في قلبي.
نظرت في المرآة،
لم أرَ وجهي، بل انعكاسًا لليل الماضي،
شعري مبعثر كأفكاري،
وعيناي؟
عيناي كانتا مغمضتين، رغم انفتاح الجفن،
لأن الداخل أعمى.
جلست أمام النافذة، أتابع سُحُبًا لا تعرف إلى أين تمضي.
أردت أن أكون مثلها، عابرًا، متحررًا، لا أحمل فكرة، لا أسجن نفسي، لا أُسجَن.
لكنني كنت أثقل من أن أطير،
مثقلًا بالأسئلة التي لا يطرحها أحد،
مثقلًا بخوف لا أُظهره،
وماضي لا يزول.
هل انتهت العاصفة؟
لا أعلم…
لأنني حين أنظر داخلي، أجد أنني ما زلت في قلبها،
وأن الفكرة التي سُجِنت فيها… بدأت تهمس من جديد.