مقالات

علاقات تحت عدسة: كيف شوهت السوشيال ميديا واقعنا؟

سالي جابر 

في عصرنا الحالي، 2025، سيطرت على أفكارنا السوشيال ميديا بصورة غير عادية. كل يوم ندخل العديد من البيوت بحجة تصوير الفيديوهات التي لا طائل منها غير أننا نعاني التفاهة. بالفعل، أصبحنا في عصر التفاهة. نرى حياة الأزواج ونتخيل أن تلك هي الحقيقة، فتصبح حياتنا مليئة بالتعاسة من خلف الشاشات. نرى الأطفال يتمنون أن يكونوا “food bloggers” لمجرد أنهم يأكلون ويكسبون المال، ويمتلكون الشهرة.

البنات جميلات يضعن مساحيق التجميل، فيحصلن على المال، الشهرة، السعادة، والزواج أيضًا. البيوت تغيرت، لم تعد مجرد مساحة للعيش والاستقرار، بل أصبحت ديكورًا مثاليًا لجذب المتابعين. ترتيب الأولويات لم يعد كما كان، بل صار كل شيء مجرد محتوى، لون باهت لفكرة فيديو يُحقق مشاهدات أكثر.

علاقات تحت تأثير العدسة:

لكن ماذا عن العلاقات؟ هل بقيت كما هي؟ هل ظلت المشاعر صادقة أم أصبحت مثل بقية الأشياء التي تعرض للعلن، تُجمَّل وتُصنع بعناية؟

في زمن أصبحت فيه حياتنا مكشوفة تحت عدسات الهواتف، لم تعد العلاقات كما كانت. باتت تتأثر بما نشاهده، بما نظنه طبيعيًا ومثاليًا، حتى أصبحنا نبحث عن الكمال الذي لا وجود له. الزوج يريد أن تكون زوجته مثل المشاهير: تبتسم طوال الوقت، لا تغضب، لا تتعب، وتبدو جميلة دائمًا. والزوجة تريد من زوجها أن يكون “بلوجر” يوميات، يُسجل مفاجآته لها، يكتب لها الرسائل على القهوة، ويرتب لها السفر في أي وقت، دون أن تفكر إن كان ذلك كله واقعًا أم مجرد محتوى رقمي آخر.

أما الصداقات، فلم تعد كما كانت أيضًا.

هل نحن أصدقاء حقًا أم مجرد متابعين لبعضنا البعض؟ هل نتواصل لأننا نهتم، أم لأننا اعتدنا رؤية بعضنا في قائمة القصص اليومية؟ كم مرة شعرت أن صديقك لم يعد كما كان، لكنه لا يزال هناك، يراقبك بصمت، دون أن يسأل كيف حالك فعلًا؟

في زمن السوشيال ميديا، لم يعد مقبولًا أن تكون حياتك عادية. يجب أن تصور، تبتسم، تُشارك، وتُقارن نفسك بالآخرين طوال الوقت. لكن في الحقيقة، الحياة لا تُختصر في بضع ثوانٍ مثالية داخل فيديو. المشاعر لا تُدار كما يُدار المحتوى، والعلاقات لا تعيش داخل سيناريو مكتوب مسبقًا

السؤال هنا، هل سنظل نبحث عن واقع يشبه ما نراه؟ أم سنحاول استعادة عفويتنا وإنسانيتنا قبل أن تلتهمنا العدسات؟

وعلينا استعادة التوازن بين الحياة الحقيقية والسوشيال ميديا، وتقليل تأثيرها السلبي على العلاقات. من خلال بعض الأفكار:

1. وضع حدود لاستخدام السوشيال ميديا:

تحديد وقت معين يوميًا أو أسبوعيًا لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي.

تجربة “الديتوكس الرقمي” من حين لآخر، أي الابتعاد عن الهواتف ليوم أو أكثر.

2. تحسين التواصل الحقيقي:

تخصيص وقت للحديث المباشر مع العائلة والأصدقاء دون هواتف.

التركيز على التفاعل الحقيقي بدلًا من مجرد التعليق أو الإعجاب على المنشورات.

3. التفريق بين الواقع والمحتوى الرقمي:

إدراك أن ما نراه على الإنترنت ليس دائمًا الحقيقة، فالكثير منه مُعدّ ليبدو مثاليًا.

التوقف عن مقارنة حياتنا الشخصية بحياة الآخرين عبر الشاشات.

4. إعادة بناء العلاقات الحقيقية:

العودة للعادات القديمة مثل اللقاءات الودية والحديث بدون الحاجة للتوثيق الدائم.

اختيار صداقات قائمة على الاهتمام الحقيقي وليس مجرد المتابعة على السوشيال ميديا.

5. استخدام السوشيال ميديا بوعي:

متابعة محتوى مفيد وإيجابي بدلًا من الانسياق وراء المحتوى السطحي.

التفكير في الهدف من استخدام السوشيال ميديا: هل نستخدمها بوعي، أم أصبحت تسيطر علينا؟

هل نستخدم السوشيال ميديا لنعيش، أم أنها أصبحت تتحكم في حياتنا؟ حان الوقت لاستعادة الواقع، قبل أن يصبح مجرد (هاشتاغ) في عالم رقمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى