الأسرة والطفل

يوميات أخصائية نفسية   2- عناد كريم

 

بقلم/ سالي جابر

 

في كل جلسة، أشعر أنّني أدخل إلى عالَمٍ صغير له قوانينه الخاصة… عالم كريم.

كريم طفل في الخامسة، ملامحه تنطق بالبراءة، وعيناه تشعّان بشيءٍ لا أعرف له اسمًا… مزيج من التحدي والطيبة، من الإصرار والعناد.

يعاني كريم من متلازمة داون، لكن هذا ليس ما يُعرّفه.

الذي يُعرّف كريم، هو عناده.

ليس عنادًا نابعًا من رفض أو ضيق، بل عناد… من أجل العناد.

أطلب منه أن يُسلّم الكُرة، فينظر لي بهدوء، ثم يرفعها عاليًا ويُخفيها خلف ظهره، كأنّه يهمس: “لن أفعل، فقط لأنكِ طلبتِ.”

أطلب منه أن يجلس على الكرسي، فيقف.

أطلب منه أن يرسم دائرة، فيضغط القلم على الورقة بلا رسمة، ثم يبتسم.

 

أحيانًا أناديه، فلا يُجيب.

أكرر النداء، فينطق اسمي بصوتٍ خافت، ثم يُشيح بوجهه كأنّه يقول: “سمعتك من أول مرة، لكنني كنت أختبر صبرك.”

في البداية، كنت أقاومه بأسلوب التدخل السلوكي المباشر: تعزيز، تجاهل، خيارات محدودة… إلخ.

ثم أدركت شيئًا:

كريم لا يريد أن ينتصر عليه أحد.

ليس لأنه لا يفهم، بل لأنه يريد أن يشعر أن له كلمة، أن له موقفًا، حتى وإن بدا بلا سبب.

ذات مرة، قلت له بهدوء:

“طيب، مش عايز ترسم؟ ماشي… بس أنا زعلانة، كنت حابة أشوف رسمتك الجميلة.”

التفت فجأة، أمسك القلم، ورسم خطًا صغيرًا، ثم نظر إليّ وقال:

“بس أنا مش عايز أرسم دايرة، هرسم مركب!”

ابتسمت.

هو لا يرفض التعلم… هو فقط يريد أن يختار شكله.

عناد كريم ليس عيبًا… بل صوته الشخصي، طريقته في أن يقول: “أنا هنا… لا تتحكّمي بكل شيء.”

ومنذ ذلك اليوم، لم أعد أقاوم عناده… بل بدأت أسمعه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى