العدوانية اللطيفة قفاز من حرير يخفي قبضة من حديد

كتبت/ سالي جابر
العدوانية اللطيفة، أو “العدوان السلبي” كما يُعرف في علم النفس، هي سلوك يبدو لطيفًا في ظاهره، لكنه يحمل في طيّاته نوايا جارحة أو سيطرة مغلّفة بالمجاملة. هي ابتسامة تخبّئ سخرية، وكلمة طيبة تحمل سمًّا خفيفًا، وتصرف يبدو حنونًا لكنه مؤذٍ في العمق.
غالبًا ما تكون العدوانية اللطيفة نتيجة لعدم قدرة الشخص على التعبير عن الغضب أو الرفض بشكل مباشر. قد يخاف من المواجهة أو من فقدان صورته أمام الآخرين، فيلجأ إلى أساليب ملتوية للتنفيس عن مشاعره، دون أن يظهر كـ”شخص سيء”.
رغم أنها لا تتضمن صراخًا أو شتائم، إلا أن تأثيرها النفسي أعمق من العدوان المباشر. إذ تزرع الحيرة، وتخلق شعورًا بعدم الأمان، وتدفع الضحية للتشكيك في نفسها.
دراسة 2022 (Kassinove et al.) أظهرت أن الأشخاص الذين يمارسون العدوان السلبي تجاه أنفسهم يعانون من مستويات أعلى من الاكتئاب.
ودراسة أخرى بيّنت أن هذا السلوك في بيئة العمل يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية وارتفاع معدلات التوتر.
أمثلة من الواقع نراها في:
1- “العضة الحنونة” – عدوان في ثوب محبة.
حين يقول أحدهم لطفل: “نفسي أعض خدودك!”، قد يبدو التعبير لطيفًا، لكنه يُجسد مثالًا حيًا على العدوانية المغلفة بالعاطفة. فـ”العض” فعل مؤذٍ، لكن السياق يجعله مقبولًا اجتماعيًا ومضحكًا.
2- في الحب: “أنا بغير عليك عشان بحبك!”
الغيرة الزائدة التي تُبرّر على أنها حب، مثال واضح على هذا النوع من العدوان. قد تُستخدم كأداة للسيطرة باسم العاطفة، وتُقيد الطرف الآخر دون أن يشعر.
3- في العمل: “عدلت شغلك… عشان مصلحتك طبعًا!”
كلمات تبدو داعمة، لكنها في الحقيقة تشكّك في كفاءة الشخص وتقلل من مجهوده. هذه الرسائل المبطنة تُضعف الثقة وتهدد العلاقات المهنية.
كيف نميز العدوانية اللطيفة؟
– مجاملات تحتوي على سخرية أو تهكم مبطّن.
– تصرفات فيها تأخير أو تجاهل مقصود دون مبرر واضح.
– نُصح شكله لطيف لكنه يحمل إهانة.
عبارات مثل:
– ما توقعتك تعملها! مفاجأة حلوة.
– أنا بقول كده من باب المحبة.
كيف نتعامل معها؟
1- الوعي: تعرّف على السلوك ولا تتجاهله.
2- المواجهة الهادئة: عبّر عن شعورك دون انفعال.
3-وضع حدود واضحة: لا تسمح بتكرار الأذى المقنّع.
4- مراجعة الذات: تأكد أنك لا تمارس هذا النوع من العدوان دون وعي.
العدوانية اللطيفة قد تمر خفية خلف ابتسامة أو مجاملة، لكنها تترك أثرًا عميقًا في النفوس.
الصراحة الرحيمة، وإن بدت قاسية أحيانًا، أصدق من كلمة منمقة تؤذي من حيث لا ندري.
كن لطيفًا بصدق، لا بتهذيب مُصطنع. فاللطف الحقيقي لا يُؤذي.