هل تمتلك الشجاعة لتغيير المسار؟

كتبت / رانيا ضيف
التجارب الحياتية كفيلة بأن تعلمنا دروسا لم نتوقعها أبدا، نحن من نحدد ونختار طريقة التعلم، هل نتعلم بلطف ونفقه الحكم ونقاوم رغبات أنفسنا ونسلك الطريق الصحيح أم نستمر في سيرنا الحثيث في الطريق الخطأ ونحن نستشعر داخلنا أننا نواصل السير دون جدوى، أو ربما تعمل عقولنا تحت تأثير أو عملا بمفهوم التكلفة الغارقة.
التكلفة الغارقة (Sunk Cost) هي التكلفة التي تم دفعها بالفعل ولا يمكن استعادتها أو استردادها تحت أي ظرف. هذه التكاليف لا يجب أن تؤثر على القرارات المستقبلية، لأن الأموال أو الموارد التي تم إنفاقها لا يمكن استرجاعها، وبالتالي لا ينبغي أن يكون لها تأثير على الخيارات المستقبلية أو استراتيجيات العمل.
على سبيل المثال، إذا قررت السفر لمكان ما بالقطار ولأي سبب ركبت قطارا آخر، ثم اكتشفت في أثناء الرحلة أنه يسير في الاتجاه المعاكس، هل ستعود أدراجك وتهبط منه عند أول محطة وتتنازل عن تكلفة الرحلة المادية لأنها تكاليف مهدرة ولا يمكن استرجاعها أم ستكمل الرحلة في الاتجاه الخطأ وتتكبد المزيد من الوقت والمال لأنك خسرت ثمن التذكرة الأولى ؟!
لو اخترت الخيار الأول فأنت إنسان حكيم، عرف أن استكمال الطريق الخاطىء تكلفته أعلى مما خسره، وهنا يتحتم عليه تغيير المسار في أسرع وقت.
إنما لو اخترت استكمال الطريق تحت ذريعة أنك أنفقت المال الذي لن تسترده، ستتضاعف خسارة المال بالإضافة لخسارة الوقت الذي ستنفقه لتعدل المسار في نهاية الطريق!
غير أننا يا صديقي لسنا كلنا حكماء!
الكثير منا يقاوم التغيير بل ويرفضه لأنه لا يرى سوى ما خسره ويستمر ربما يحدث شيء قدري أو يعوض خسارته بأي شكل من الأشكال! والنتيجة إهدار المزيد من المال والطاقة والوقت!
إذا من الأخطاء الشائعة أن يستمر الناس في اتخاذ قرارات بناءً على منطق “التكاليف الغارقة” وهو عندما يواصل الشخص أو المؤسسة الاستثمار في مشروع أو قرار لمجرد أنه قد أنفق الكثير من الموارد عليه بالفعل، بدلاً من تقييم الخيارات المتاحة بشكل موضوعي بناءً على المنافع المستقبلية. تعديل المسار أولى ومنذ أول وهلة من استشعار الخطأ وعدم جدوى الاستمرار.
ربما تمنحنا تلك التجارب القاسية درسا هاما ولكن طريقة تعامل عقولنا مع الأحداث والمشكلات هو ما ساهم في ازدياد تكلفة الدرس. تلك القواعد لا تنطبق فقط على المشاريع والمخططات ولكن حتى على مستوى العلاقات بكافة أنواعها.
لا تستثمر في علاقة تستنزف طاقتك وتقلل من قدراتك ولا تمنحك قيمتك الحقيقية. بل انزع هؤلاء الناس من حياتك انتزاعا، أن تختار اتقان دور المصلح الاجتماعي أو دور المنقذ لن يزيدك إلا ألما ومعاناة أنت في غنى عنهما.
دعهم لدروسهم الحياتية، دعهم يقوموا من أنفسهم بأنفسهم إن أرادوا ذلك، فإنك لو حاربت العالم كله من أجل إنقاذ شخص لا يريد إنقاذ وإصلاح ذاته فلن تفلح إلا في كسب العداوات ولن ينصلح حاله أبدا!
لنا أسوة في رسول الله عندما خاطبه رب العزة بالآية الكريمة:” إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين”.(56) القصص أي أنك لن تهدي من ترغب في هدايته ولكن الله يهدي من يريد لنفسه الهداية أولا.
تماما مثل التوبة.. فلا يتوب الله إلا على من يريد التوبة أولا. قال تعالى: “فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ“المائدة
اختر أنت الطريق لأنها حياتك ورحلتك واختبارك. وستحاسب على تلك الاختيارات في الدنيا قبل الآخرة.
يعتقد الكثير من الناس أننا نسير في الدنيا مسيرين ليس لنا إرادة ولا تحكم في أقدارنا والحقيقة أن العدالة الإلهية لا تتسق أبدا مع هذا المبدأ وأن تصوير الإنسان بأنه كالجماد مفعول به دائما هو امتهان بغيض لكينونة الإنسان. نحن مخيرون بإرادتنا وبأفكارنا وقناعاتنا ومشاعرنا.
لنعلم أن الحياة لا تمنحنا دومًا فرصًا لإعادة الاختيار، لكننا نملك دومًا فرصة لإعادة التوجيه.. فهل تمتلك الشجاعة والطاقة لتغيير المسار؟