
بقلم/رانيا ضيف
ما أقسى أن يجافي الكاتب قلمه، أن ينكسر شغفه وتتلاشى رغبته في إحداث صوت!
يمر على الأحداث وتمر به ولا شيء داخله يحركه أو يحفز مشاعره فتثور أو يثير حفيظته فيكتب!
يتردد على مسامعه سؤال ملح:
ما الذي يستحق الضوء؟!
سؤال يخرج من أعماق قلوبنا المرهقة التي أنهكها السقوط المتكرر للمعاني النبيلة، واستفحال القبح في المشهد الإنساني. غياب العدالة، واحتضار الضمير، حتى صارت القيم الأخلاقية والاجتماعية كأنها أطلال من الماضي ، لا تجد لها موطئ قدم في ساحة المعارك اليومية مع الحياة. كل ذلك أفقدنا الشغفوالشعور بالاطمئنان والسلام.
لم يعد الرضا ضيفًا مألوفًا، بل صار كالحلم المستحيل في دنيا تتغذى فيها النفوس على المقارنات، وتُطعن فيه الأرواح بخناجر الطمع والخذلان والأنانية.
يظل السؤال يتردد على مسامعي في هذا المشهد المكدّس بالتشوّه، هل بقي ما يستحق أن نسلط عليه الضوء؟
لا أعتقد أنه ظل سوى الإنسان الحقيقي؛ ذلك الذي يُصرّ رغم كل شيء، على أن يحتفظ بنبله وسط القذارة. الذي يختار أن يقول كلمة حق، وإن اكتفى بتسجيل موقف ولم يربح!
فصوته لا يقبل الصمت. ذلك الذي يرفض أن يتخلى عن الرحمة في عالم يُكافئ القسوة، ويُجرّم التعاطف.
ذلك الذي مازال يُعلي من شأن القيمة في واقع عالمي يتبنى التفاهة والابتذال والإسفاف!
بقيت الكلمة الطيبة، والفعل الصادق، والرؤية التي لا تزال تحلم بسلام داخلي، حتى لو في نطاق ضيّق لا يتجاوز القلب ولا يعم الروح.
بقي الأمل وإن بدا شاحبًا ومرهقًا… بقيت تلك القلوب التي لا تزال تتساءل كما تساءلنا: “ما الذي يستحق الضوء؟”
فالذين يسألون، لا يزال فيهم حياة. والذين يتألمون، لا يزال فيهم ضمير. والذين يكتبون، لا يزال فيهم مقاومة رغم علمهم أن سيناريوهات انتصار الخير على الشر الحتمية ما هي إلا قصص طفولية أبطل مفعولها الواقع والوعي بأن من يمتلك قوانين اللعبة يفوز وإن كان شريرا !
البقاء على مسرح الحياة للأقوى لذا فإن العدل والحق إن لم يجدا قوة تحميهما سقطا في براثن الفساد والظلم، ولا أقوى دليل على ذلك من ممارسات محتل غاصب يقف عتيا في وجه كل القوانين الدولية، يقصف ويقتل ويشرد دون خوف أو وخز من ضمير.. فقط لأنه يمتلك القوة.
وأقلامنا هي جانب من القوة المضادة التي تعين على حماية الحقوق وتكافح الفساد والظلم. وربما تلك الحقيقة وحدها تستحق إحداث صوت.
لذا، في ظل هذا الواقع المحبط والمربك، يصبح التمسك بالقيم جهادَ نفس،
والاستمرار في السعي رغم المثبطات بطولة،
والتغلب على شعور الاغتراب معركة شرسة،
والتمسك بإنسانيّتنا تحدٍ.
أن نظل نرى الجمال وسط فوضى القبح ..نجاة،
وأن نكتب رغم فقدان الشغف ..انتصار،
وصورة من صور غلبة الخير على الشر،
وإشعال الضوء في وجه العتمة.
“فالإنسان الجيد في زمن الأشرار أشبه بزهرة تتفتح في أرض قاحلة”. تشيخوف