بقلم.. أحمد رشدى
في ذلك الصباح المشرق، غادر وطنه العربي محملاً بأحلام كبيرة وأملاً يتجدد، متجهاً إلى بلد أوروبي للدراسة والعمل، ليبني مستقبله ويحقق طموحاته. لم تكن الرحلة سهلة، فكل خطوة فيها كانت تحمل عبق الغربة وحنين القلب، لكنه كان مؤمناً بأن القدر سيجمعه بمن يحب
وفي يوم خريفي لطيف، تداخلت أشعة الشمس الذهبية مع ألوان الأوراق المتساقطة، وقع نظره عليها لأول مرة في إحدى المقاهي الصغيرة التي تعج بروائح القهوة والكتب القديمة. كانت جالسة بابتسامة هادئة تنبع من أعماق الروح، تلمع عيناها كنجمتين في سماء صافية، تجذب القلب بخفة ظلها ودفء حضورها. حينما التقى بعيونها، شعر وكأن الوقت توقف، وكأن العالم بأسره أصبح خلف ظهره، فما حدث بينهما كان أكثر من مجرد لقاء عابر، كان بداية قصة حب نمت كزهرة ربيع بين ثنايا السنين.كان الحديث بينهما رقيقاً، يمزج بين كلمات صادقة ولمحات من الدعابة والسحر الذي يولد بين العاشقين، تبادلا فيه أسرار القلوب وهمسات الأحلام، حتى أصبحت كل لحظة معاً كقصيدة تنبض بالحب والصدق. وفي حضن تلك المدينة، بدأت قصة حبهما تأخذ شكلًا حقيقيًا، مع وعود بالوفاء والمصير المشترك.ولكن، اتخذ القدر مساراً صعباً، إذ جاء المرض ليظلم سماء حياته، فاستدعاه لترك بلد الأحلام والعودة إلى وطنه العربي بجانب والدته المريضة التي اقتربت أيامها على الرحيل.ولكن انتهت تأشيرته، وأصبح الحلم بالعودة إليها أشبه بنجم بعيد، فظل يعيش بين لغة الفراق المؤلمة وبين لوعته في الاشتياق، يحمل قلبه الممزق على كتفيه.لم تكن فترة الفراق قصيرة، بل امتدت شهوراً من المعاناة، حاول خلالها بكل ما أوتي من قوة أن يجد طريقاً للعودة، جدد التأشيرات، بحث عن حلول قانونية، راجع السفارات، وتخطى كل الموانع التي حالت بينه وبين لقاء حبيبته. كانت تلك الفترة اختباراً لصبره وإخلاصه، ينام على أمل وأشواقه ترافقه في أحلامه ويقظته. وعندما أضحت الظروف تسمح له أخيراً بالعودة، احتشدت مشاعره في دقات قلب تسرع مع كل خطوة يخطوها نحو المطار. وهناك،
في ركن المطار المشتعل بالأضواء والوجوه، التقى بعينيها التي لم تفارق ذاكرته لحظة، رأى دموع الفرح تنساب من أعماقها، وبريق الشوق من أعماقه يطلق ومضاته بين الضلوع
. اقترب منها، احتضنها كما لو لم يفترقا يوماً، وهمس في أذنها بكلمات المحبة والهيام ، والسعادة ترسم ملامح وجهان عادت إليهم الحياة بعد الفراق.
وهكذا ،جمعتهم الحياة من جديد، بعد الصبر والإصرار، قصة حب لم تنتهِ بل بدأت فصلها الأجمل، حيث تختفي المسافات، وتصبح القلوب قريبة بغض النظر عن البعد، وحيث تنتصر المحبة مهما طال الفراق،
وتظل تعيش في دفء اللقاء وأم
ل الغد.
