بقلم: أحمد رشدي
هل جرّبت يومًا أن تدخل مكتبًا رسميًا،
وتجد كل المقاعد ممتلئة،
إلا كرسيًّا واحدًا في الزاوية، يبدو كأنه يراقبك؟
ذلك الكرسي يعرف أكثر مما تتصور،
فهو يسمع الشكاوى كل يوم،
ويرى الوجوه وهي تتبدّل بين الأمل والخذلان، بين الغضب والرجاء.
الكراسي ليست جمادات كما نظن،
إنها تحتفظ بذاكرة صامتة.
كرسي المدير مثلًا يعرف الأسرار أكثر من أي موظف، وكرسي الانتظار في المستشفى يعرف أنفاس الخائفين، يعرف معني الألم ،
وكرسي المقهى يعرف قصص العشّاق والمكسورين.
الغريب أننا نظن أننا نرتاح فوقها،
بينما الحقيقة أن كل كرسي يحملنا بصبرٍ،
ويتحمّل أوزاننا وهمومنا معًا.
ومع ذلك، لا نلتفت إليه،
لا نشكره، لا نمسح الغبار عنه إلا حين نحتاجه.
ربما الحياة كلها تشبه الكراسي،
ثابتة في مكانها،
ونحن من يأتي ويذهب.
لكن يبقى الكرسي درسًا صغيرًا في الصبر،
في الاحتمال، وفي الوفاء لمن جلس عليه يومًا ثم رحل.
وربما حين نتأمل الكراسي أكثر، ندرك أن الصمت أحيانًا أبلغ من الكلام، وأن الثبات في مكانك لا يعني العجز،
بل يعني الصبر حتى يأتي من يستحق أن يجلس.
فلعلنا .. نتعلّم من الكراسي أن لا نُرهق أنفسنا في الجري خلف من لا يرانا،
وأن نُدرك أن قيمتنا ليست في الحركة،
بل في الثبات على المبدأ،
حتى وإن جلس فوقنا العالم كله.
