ديني

النصر لا يُهدى.. بل يُؤتى بشروطه

د/ حمدان محمد
في هذه الأيام يعلو صوت الكثيرين وهم يتحدثون عن نصرة المسلمين في غزة وسائر بلاد الإسلام ويطالبون بأن تتحرك مصر أو غيرها لحمل السلاح والانتصار للمظلومين. ورغم صدق المشاعر وحرارة الكلمات إلا أن العاطفة وحدها لا تصنع نصرًا والحماسة لا تغني عن السنن الإلهية التي لا تتبدل ولا تتغير
فإن النصر من عند الله وله شروط لا تتحقق بالأماني ولا بالهتافات بل بالعمل الصادق والعودة الحقيقية إلى الله. قال الله تعالى:
“إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم” [محمد: 7]
فكيف ننصر الله؟
ننصره بأن نلتزم بأوامره ونتجنب نواهيه ونحيا كما أمرنا لا كما نشتهي.
فلن يتحقق النصر وأمتنا تمزقها الفُرقة ويأكل بعضها بعضًا بالحقد والظلم وسوء الظن
ولن يتحقق النصر والقلوب ملأى بالبغضاء والضمائر مثقلة بالعداوة. قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” [رواه البخاري ومسلم].
أين نحن من هذا؟ أين الحب بين المسلمين؟ أين العدل في تعاملنا؟ أين الرحمة في مجتمعاتنا؟
إن كثيرًا من المسلمين اليوم يتحدثون من بيوتهم الآمنة ويصرخون من وراء الشاشات ويتهمون هذا ويتهكمون على ذاك ويتناحرون في الآراء أكثر مما يتوحدون على الطاعة والعمل
وإن في التاريخ الإسلامي لعبرة: فحين انتصر المسلمون في معركة بدر لم يكنوا أكثر عددًا ولا عدة بل كانوا أكثر تقوى وتوكلًا وكان شعارهم يومها: “يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث”، وكانوا متوحدين تحت راية واحدة وخلف قائد واحد وقلوبهم طاهرة وسيوفهم مخلصة
وعندما خالفوا أمر رسول الله في أُحد وتركوا مواقعهم ونظر بعضهم إلى الغنيمة جاءهم الدرس المرير: الهزيمة! رغم أن النبي بينهم لأن سنة الله لا تحابي أحدًا.
قال ابن عباس: “إن الله لا ينصر الأمة بضعفها وقلة عتادها ولكن بطاعتها له فإذا عصته خذلها وإن كانت أقوى الناس”.
فلا نصر بلا رجوع إلى الله ولا عز إلا بالطاعة ولا تمكين إلا بالاتباع قال تعالى…
“وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ”
[سورة النور: 55]
فلنلاحظ قوله تعالى : “يعبدونني لا يشركون بي شيئًا”.. فهل تحقق هذا الشرط؟ هل عبدنا الله حق عبادته؟ أم أن هناك من جعل شهوته أو مصلحته أو رأيه شريكًا في الحكم على الأمور؟
إذا أردنا النصر فلنبدأ
بأن ننتصر على أنفسنا أولًا
وأن نُصلح بيوتنا
ونُربّي أبناءنا على الدين
ونغرس فيهم حب الخير والعدل والرحمة
ثم ننشر هذا في مجتمعنا
ونعمل على توحيد الصفوف لا تفريقها وننكر المنكر بالفعل قبل القول ونقوم على حدود الله ونُقيم ميزان العدل
وحين يتحقق هذا، سيتحقق النصر، ولو بغير سلاح لأن الله هو الذي يتولى النصر لعباده الصالحين.
“وكان حقًا علينا نصر المؤمنين” [الروم: 47]
فهل نحن مؤمنون حقًا؟ هذا هو السؤال
ونظر إلي قول الله تعالى:
“الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ” [الحج: 41].
وهذه الآية الكريمة ترسم ملامح المجتمع القوي الذي إذا رزقه الله التمكين في الأرض لم يطغَ ولم يفسد بل جعل هذا التمكين وسيلة لإقامة الدين ونشر القيم فكانت أولى أولوياته إقامة الصلاة التي تربط العبد بربه وإيتاء الزكاة التي تطهّر المال وتربط بين فئات المجتمع ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهما صمام أمان الأمة في مسيرتها نحو الإصلاح وفي هذا إشارة عظيمة إلى أن التمكين الحقيقي لا يُقاس بالمال أو السلطان فقط بل يُقاس بمدى إقامة الحق ونشر الفضيلة ومحاربة الفساد فمن وُفّق إلى هذه الصفات عند التمكين فقد نجح في الامتحان ومن استغل التمكين لغير ذلك فقد خاب وخسر
نسأل الله أن يحفظ بلادنا من كل سوء وشر وبلاد المسلمين يارب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى