بقلم : أحمد رشدي
ما زلتُ خائفاً
لا من الغد
بل من الأمس حين يعود
بخطواتٍ بطيئة
ويجلس داخلي
كضيفٍ ثقيل
لا يعرف الرحيل
أخاف من الذاكرة
حين تفتح دفاترها فجأة
وتقلب الصفحات
دون إذن
ودون رحمة
فتعيدني إلى طرقٍ ظننتُ
أنني عبرتها
وإلى وجوهٍ حسبتُ
أنها ذابت في النسيان
وما رأيت
وكم رأيت من أحزان
كانت تمشي معي
كظلٍّ لا يفارق صاحبه
وما مضيت
وكم مضيت
وحين مضيت
هالني ما رأيت من أحلام
أحلامٍ كبرت سريعاً
ثم سقطت
قبل أن تتعلّم الطيران
وما قضيت
وكم قضيت من أيام
كانت أثقل من أعمار
وأطول من ليلٍ بلا نجوم
وما نسيت
وكم نسيت من آلام
لكنها لم تنسني
بل بقيت كامنة
تنهض كلما هدأ القلب
وما رضيت
وكم رضيت من الأوهام
كي أستمر
كي لا أتوقّف
كي أقنع نفسي
أن بعض الخسارات
لا تُحسب
ألا يا قلبي…أن تنتهي
أما من نهاية
لهذه الحيرة
ولهذا الحزن
ولهذا السهر الطويل
الذي أنهك نبضك
وأثقل صمتك
عذراً للأحزان التي أتعبتها
إذ حملتُها أكثر مما تحتمل
وعذراً للآلام والجراح
إذ ظننتُ أن الصبر
يكفي لشفائها
وعذراً للعمر الذي راح
يمضي
بين انتظارٍ وخيبة
وبين خوفٍ وصمت
عذراً للسنين
للحزن والأنين
عذراً للحنين
للسهد
لليالي التي سهرت معي
حين كان النوم بعيداً
والطمأنينة أبعد
عذراً للمشاعر
للآهات
للرجفة التي كانت تعبر صدري
كلما ظننتُ أنني تجاوزت
ثم اكتشفت
أنني ما زلت في البداية
فقد أحزنني الماضي الأليم
لا لأنه كان قاسياً فقط
بل لأنه ترك فيّ
ما يشبهه
وأخذ معه
ما لا يعود
وها أنا
أمضي اليوم بحذر
أنظر خلفي كثيراً
وأشدّ على قلبي
كأنني أخشى أن يسقط
من ثقل ما حمل
نعم
ما زلتُ خائفاً
لكنني أكتب
وأمضي
وأتنفّس
لعلّ الخوف
حين يُكتب
يصير أضعف
ولعلّ القلب
حين يعترف
ينجو
ولكني
ما زلتُ خائفاً…
