سي السيد وأمينة وكحك العيد.. معركة كل عام

بقلم السيد عيد
في كل عيد، تعود الحرب السنوية داخل بيت سي السيد، حيث تتحول أمينة إلى قائد عسكري يعلن حالة الطوارئ استعدادًا لـ”حملة الكحك الكبرى”، بينما ينظر إليها سي السيد بريبة، مقتنعًا بأن الكحك ليس إلا مؤامرة اقتصادية لإفلاس البيت قبل العيد!
بالنسبة له، الكحك ليس “فرحة العيد”، بل كارثة موسمية تستنزف التموين، وتجعل البيت بأكمله مغطى بالدقيق كأنه خرج من معركة طاحنة مع شوال دقيق غاضب!
بداية المعركة.. “هو الكحك فرض؟!”
في الليلة الثانية والعشرين من رمضان جلست أمينة وسط جبال من العجين، تخلط المكونات بحماس، وكأنها تُعد وجبة عسكرية للفرقة 101، بينما جلس سي السيد يراقب المشهد كخبير استراتيجي، ثم قال بنبرة المفاوض الحذر:
“يعني هو الكحك ده فرض؟ مش ممكن نشتريه جاهز ونوفر التعب؟”
رفعت أمينة رأسها ببطء، ونظرت إليه نظرة لم يرها منذ حادثة “الفلوس اللي خبّاها عن المصروف”، ثم ردت بلهجة لا تقبل النقاش:
“نشتريه إيه يا سي السيد؟! الكحك الجاهز مش زي اللي بيتعمل في البيت! وبعدين، إنت أكتر واحد بيخلص العلبة في يومين!”
حاول التراجع، لكنه كان قد دخل في مرمى النيران، فقرر استخدام استراتيجية الانسحاب التكتيكي، وقال في محاولة يائسة:
“طيب… مش نعمل نص الكمية؟”
وهنا، انفجرت أمينة بضحكة ساخرة وقالت:
“نص الكمية؟! إنت فاكر نفسك هتعمل مؤتمر تقشف اقتصادي؟ ده إحنا لسه مكملين بعد الكحك بيومين بالبيتيفور والغريبة!”
سي السيد في المطبخ.. التجربة الأولى والأخيرة!
بعد مقاومة طويلة، قررت أمينة تلقينه درسًا عمليًا في الطهي، فسلمته قطعة عجين وقالت بابتسامة ساخرة:
“يلا يا سي السيد، ورينا مهارتك في صنع كحك العيد!”
أخذ العجين بقلق، وبدأ في تشكيله بكل حرص… ولكن بدلًا من كحكة ناعمة، أنتج شيئًا أقرب إلى حجر أثري يصلح لرصف الطرق!
أمينة نظرت إلى “الكحكاية” في يدها، ثم رفعتها في الهواء وتأملتها كعالم آثار يكتشف قطعة من العصور الوسطى، ثم قالت ببرود:
“حلوة جدًا… لو كنا بنعمل مشروع ترميم للأهرامات!”
عند هذه اللحظة، أدرك سي السيد أن هذه التجربة قد تكون أول وآخر مغامرة طهي في حياته، فانسحب إلى موقعه المعتاد: المراقبة عن بعد مع كوب الشاي والسيجارة.
يوم الحساب.. والكشف عن الحقيقة!
اقترب العيد، وانتشرت رائحة الكحك في البيت، وبينما كانت أمينة تستعرض “إنتاجها القومي”، تسلل سي السيد وأخذ واحدة على استحياء، ثم تذوقها… وبدون تفكير، التهم الثانية والثالثة والرابعة!
وهنا، وضعت أمينة يديها على خصرها ونظرت إليه قائلة:
“فين بقى اعتراضاتك؟ مش ده نفس الكحك اللي كنت بتقول إنه مؤامرة اقتصادية؟!”
بلع آخر لقمة بصعوبة، ومسح فمه بمنديل كمن يمحو كل تصريحاته السابقة، ثم قال وهو يحاول الحفاظ على هيبته:
“أنا كنت بس بختبر جودته… وطبعًا طلع ممتاز، كالعادة!”
وهكذا، انتهت معركة الكحك لهذا العام، لكن الجميع يعلم أن جولة جديدة تنتظرهم العام القادم… حيث سيبدأ سي السيد خطابه السنوي المعتاد عن “التقشف”، وينتهي به الأمر ملتهمًا الكحك كأنه ضحية بريئة!