نجده محمد رضا
في كثير من الأحيان، يبدو لمس الشعر أو لفه مجرد عادة عفوية، لكن عندما يتحول هذا السلوك إلى فعل مستمر وقهري يسيطر على حياة الشخص اليومية، يصبح موضوعًا يستحق الدراسة والاهتمام من منظور علم النفس والصحة النفسية. يُعرف هذا النوع من السلوك ضمن سلوكيات متكررة مركزة على الجسم (Body-Focused Repetitive Behavior – BFRB)، وهي سلوكيات تتكرر بشكل قهري وتتركز على أجزاء معينة من الجسم، مثل لمس الشعر، لفه، أو اللعب به لساعات طويلة دون وعي كامل.
أسباب الهوس باللعب بالشعر
تتعدد أسباب هذا السلوك وتختلف من شخص لآخر، لكنها غالبًا ترتبط بعوامل نفسية، اجتماعية، وبيولوجية:
1. القلق والتوتر النفسي:
يستخدم الكثير من الأشخاص لمس الشعر أو لفه كآلية للتخفيف من التوتر، القلق، أو الملل. هذه الحركة تمنح شعورًا مؤقتًا بالراحة، لكنها تتحول مع الوقت إلى عادة يصعب السيطرة عليها، وتصبح جزءًا من الروتين اليومي للشخص، حتى لو كان يعي أنها قد تضر بصحته النفسية أو بمظهر شعره.
2. الضغط الاجتماعي والجمالي:
مع تزايد التركيز على المظهر الخارجي والجمال المثالي في وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح الكثيرون منشغلين بشكل مفرط بمظهر شعرهم. متابعة الصور المثالية للشعر الأملس واللامع أو الإعلانات المستمرة عن منتجات العناية بالشعر تدفع بعض الأشخاص للانشغال بخصلاتهم بشكل دائم، وقد يتحول هذا الانشغال إلى هوس نفسي.
3. العوامل البيولوجية والوراثية:
تشير الدراسات النفسية إلى أن هناك استعدادًا وراثيًا يجعل بعض الأشخاص أكثر عرضة للتحكم في سلوكياتهم القهرية. بعض الأبحاث أيضًا تربط بين هذه السلوكيات واختلال في نظام المكافأة في الدماغ، ما يجعل التحكم في هذه الحركات أكثر صعوبة.
الأعراض والعلامات التي قد تشير إلى هوس الشعر:
لمس أو لف الشعر بشكل متكرر، غالبًا دون وعي كامل، أحيانًا لساعات طويلة.
صعوبة التوقف عن هذه الحركة رغم معرفة الشخص بتأثيرها السلبي على شعره أو صحته النفسية.
ظهور فراغات أو تلف في الشعر أو فروة الرأس بعد فترة من الاستمرار في الهوس.
شعور بالذنب، الإحراج، أو الانزعاج بعد ممارسة السلوك، ما قد يؤدي إلى عزلة اجتماعية.
تأثير نفسي واضح على الثقة بالنفس، وزيادة القلق أو الاكتئاب في بعض الحالات.
الآثار النفسية والجسدية للهوس بالشعر
الهوس باللعب بالشعر لا يقتصر على المظهر الخارجي، بل له تأثيرات واضحة على الصحة النفسية:
نفسيًا: يزداد القلق والاكتئاب، وقد يشعر الشخص بالخجل من نفسه أمام الآخرين. كما يمكن أن تؤثر هذه العادة على التركيز والأداء في العمل أو الدراسة.
جسديًا: الإفراط في لمس الشعر أو لفه قد يؤدي إلى تكسره، تساقطه، أو تلف فروة الرأس، ما يجعل الشعر يبدو أقل صحة وجاذبية على المدى الطويل.
طرق التعامل مع الهوس والسيطرة عليه
يمكن السيطرة على هذا السلوك إذا تم التعرف عليه مبكرًا واتخاذ خطوات علاجية مناسبة:
1. مراقبة السلوك والوعي به:
التعرف على المواقف أو المشاعر التي تحفز الهوس ومحاولة التحكم فيها خطوة أولى مهمة. يمكن للشخص تسجيل الأوقات والأماكن التي يمارس فيها هذا السلوك لمعرفة أنماط الهوس.
2. العلاج السلوكي المعرفي (CBT):
يعد العلاج السلوكي المعرفي من أفضل الطرق للتحكم بالسلوكيات القهرية، حيث يساعد الشخص على التعرف على الأفكار والسلوكيات الضارة واستبدالها بعادات صحية تساعده على التحكم في نفسه.
3. الأنشطة البديلة:
استخدام اليدين في نشاطات أخرى مثل ضغط كرة مطاطية، الرسم، ممارسة هواية، أو أي نشاط آخر يشغل اليد ويشتت الانتباه عن اللعب بالشعر.
4. استشارة طبيب نفسي متخصص:
خاصة إذا أصبح الهوس بالشعر يؤثر على الحياة اليومية أو يسبب ضغطًا نفسيًا شديدًا. الأخصائي النفسي يمكنه وضع خطة علاجية مناسبة تشمل العلاج النفسي وربما بعض الأدوية إذا لزم الأمر.
في النهاية، يجب أن نتذكر أن كل خصلة شعر ليست مجرد خيط على الرأس، بل هي جزء من صحتنا النفسية وراحتنا الداخلية. الهوس باللعب بالشعر قد يبدو بسيطًا للوهلة الأولى، لكنه يعكس صراعًا داخليًا مع التوتر والضغط النفسي، وصراعًا أعمق مع الرغبة في الكمال الذي يفرضه المجتمع. إذا شعرت أنت أو من حولك بهذا الهوس، فاعلم أن الاعتراف بالمشكلة وطلب الدعم النفسي ليس ضعفًا بل شجاعة. لأن الطريق إلى الحرية من هذه القيود يبدأ بالوعي، والعلاج، والاعتناء بالنفس كما نعتني بشعرنا… وليس فقط بمظهره، بل بصحته وسلامتنا النفسية أيضًا.
