رانيا ضيف تكتب”الرقص مع الحياة والتربص بجوف الحفر”

عزيزتي ..
بعد التحية والسلام
قرأت مقالك البديع عن أولئك المتشددين وكم أثار إعجابي وأشعل حنقي لممارسات أولئك الظلاميين وتساءلت:
لماذا لا يحبون أن نتحدث عن أنفسنا؟ ربما يرهبهم الحب؛ أي أن نقع في حب أنفسنا فلا يستطيعون إلينا سبيلًا!
هل يزعجهم أن نرى دواخلنا، أن نفطن لبؤر النور الكثيرة التي طمستها ضلالاتهم ..
أن نستصلح المساحات البور فتنبت عقولنا حكمة وحرية، وهم يخشون الحرية!
ينعتونها بالانحلال والتسيب وسوء الخلق.
يحملون لافتات كبيرة مضمونها “محظور الاقتراب” مختومة بختم مقدس لدحض أي فكرة تحمل رغبة في الحياة.
يكرهون الحياة؛ فالموت أسمى أمانيهم البائسة،
أو هكذا صاغوا العبارات الرنانة لإحكام السيطرة.
هم أموات بالفعل والفكر والنهج، يروجون لحياة في الغيب لن نصلها إلا إذا حيينا في عالم الشهادة!
يكرهون النساء، فقوة المرأة تذهلهم وتنزع عنهم بقايا ورقة التوت التي بالكاد سترت عورات نفوسهم الصدئة وأفكارهم المتعجرفة ..
يكرهون عجزهم عن حمايتها فوضعوها في أقفاص قناعاتهم، ونعتوا كل من حاولت الخلاص بالفاسقة والمتحررة!
فاقترن الفسوق بالحرية والطاعة بالعبودية، فإما أن تكون عبدًا طائعًا أو حرًّا عاصيًا!
أضاعوا معنى الحياة وجمالها ولعنوا الدنيا وزينتها وشبهوها بالمرأة الجميلة الغاوية ..
فاقترن الجمال بالغواية وأنجبا القبح الذي تبنوه وأطعموه وسيدوه حتى طغى وتجبر وتعملق وأمر جنوده بقتل براعم الجمال في مهدها.
تعاديهم الحياة ويعادونها، ومن شدة بؤسهم يسقطون ما بأنفسهم من خراب على العالم كأنهم ينظرون في صفحة بحيرة هادئة فيرون وجوههم القبيحة ظنًّا منهم أنها أوجه الحياة!
هكذا يعيشون بين حفر الشك واليأس والخوف مطلقين سهام غدرهم على كل طائر يحلق حرًّا طليقًا سعيدًا ليسقطوه أرضًا مدرَّجًا في دمائه فتخشى التحليق بقية الطيور!
يكرهون الموسيقى ويحرمونها فهي أنغام الرقص مع الحياة وترانيم العشق وهم لا يرقصون إلا على جثث الموتى!
كان لزامًا على كل من يحمل الحرية على عاتقه، ويحترم روح الله فيه، وعقله الذي ميَّزه به عن سائر خلقه؛ أن يحمل كفنه على كفه، أن يعيش منبوذًا غريبًا، أن يستعد لأن يفقد كل شيء حتى روحه أو يرضى بالعيش بين الحفر.
ويبدو أن قدرنا يا عزيزتي أننا أحرار في زمن تُستعذب فيه العبودية.
والسلام ختام وسأنتظر رسالتك بشوق بالغ أيتها الروح الحرة والنفس الأبية.