
كتب محمد حسن
– في مجتمعاتنا العربية، تنتشر الأمثال الشعبية التي تعبر عن حكمة الأجيال وتراكم الخبرات، ومن بينها مقولة عميقة الدلالة: “خليك في حالك يسلم حالك”.
– وقد يظن البعض أنها دعوة للأنانية أو السلبية، لكن الحقيقة أن هذا القول يُخفي وراءه فلسفة حياتية قائمة على إحترام خصوصية الآخرين، وتجنّب التدخل فيما لا يعنيك، حفاظًا على النفس والعلاقات.
“خليك في حالك”:-
– ليست دعوة للتقوقع أو الانعزال، بل توجيه للحذر والوعي الاجتماعي، فالتدخل في شؤون الغير دون طلب أو إذن غالبًا ما يُقابل بالرفض أو الإتهام بسوء النية، حتى وإن كان القصد خيرًا.
“الحياد”:-
– في زمنٍ تعالت فيه الأصوات، وتكاثرت فيه التدخلات تحت مسمى “الغيرة” أو “النصيحة”، أصبح الحياد وترك الناس في شؤونهم ضربًا من الحكمة، بل أحيانًا شجاعة.
– وأن تمتنع عن التدخل، رغم قدرتك على ذلك، وأن تصمت رغم توفر الكلام، فهذا ليس ضعفًا، بل فهم عميق لتبعات الأمور، وإدراك أن لكل إنسان عالمه الخاص الذي لا يُمكن فهمه من الخارج.
” احترام الخصوصية ” :-
– وسائل التواصل الإجتماعي فتحت الأبواب على مصراعيها لكل من يريد أن “يتدخل”، ويتابع حياة الآخرين لحظة بلحظة، ويُصدر الأحكام جزافًا.
لكن في هذا الانفتاح الزائف، فقد الكثيرون توازنهم، وتحولت المجتمعات إلى ساحات للمقارنة، والتدخل، والنقد غير البناء. وهنا تزداد أهمية “خليك في حالك” كقيمة أخلاقية تحفظ كرامة الفرد، وتحمي المجتمع من التفكك والتوتر.
– وبرغم كل ما سبق الا أن هناك حالات يصبح فيها التدخل ضرورة أخلاقية وقانونية منها :-
1. عند رؤية مظلمة واضحة: كالتعدي على طفل، أو امرأة، أو عجوز لا يستطيع الدفاع عن نفسه.
2. في حال وجود خطر عام: كالكوارث أو الحرائق أو العنف في الأماكن العامة.
3. عندما يُطلب منك التدخل صراحة: فحينها يكون السكوت تخليًا عن المسؤولية.
” العلاقات الأسرية والعملية”:-
– حتى داخل الأسرة، فإن لكل فرد خصوصيته، وكل تدخل زائد قد يتحوّل إلى وصاية أو شك.
– وفي بيئة العمل، التدخل في شؤون الزملاء قد يُفسد العلاقات ويؤدي إلى جو من التوتر والعداوة. لذلك، البقاء في الحياد الواعي لا يُعتبر انسحابًا، بل اتزانًا اجتماعيًا راقيًا.
– وأخيراً فإن المثل الشعبي “خليك في حالك يسلم حالك” لا يُفهم على ظاهره فقط، بل هو دعوة لفهم أعمق لحدود العلاقات الإنسانية، ووعي بأهمية الخصوصية والسكينة الداخلية.
– ففي عالمٍ يضج بالصخب، ويغلي بالأخبار والأحداث، تبقى الحكمة هي:
“لا تتدخل إلا عندما يُطلب منك، ولا تُعطي رأيًا إلا إذا طُلِب، ولا تفرض نفسك على أحد، ففي ذلك نجاتك وسلامك.”