الأدب

ثلاثة في وحدتي: القلم،الورقة ،أنا

بقلم/ سالي جابر


أراكِ من بعيد، وعلى حالكِ تلك…

أتعلمين كم من الوقت مضى وأنتِ تتصفحين كتابًا تلو الآخر، تغلقينه قبل أن تبلغي الصفحة الثانية؟

أهكذا عهدكِ بي يا عزيزتي؟

هيا، كما اتفقنا… لنخطّ سويًا ما نعانيه على صفحات الفراغ، وننتظر صفاءً نحلم به.

أنا فقط أنظر إليه، وعيوني ممتلئة بالدموع، لكنها لا تسقط. متحجرة. لا أستطيع فعل شيء، إني أقاوم فقط.

أفهم صمتكِ جيدًا، رافقني قبلكِ، ولكنه مؤلم… ماذا نفعل الآن؟

أريدك أن تصمت. فقط أريد أن أتأمل السكون… أهذا ممنوع؟

لا… لكن احذري، فالسكون لا يعني الهدوء دومًا، فضجيج رأسكِ مؤذٍ.

سأحاول تهدئته… ربما بأقراص مهدئة. هيا، لنكتب كما أردت، أليس هذا ما تطلبه؟

لا… أريدك هادئة بحق. ذاك الهدوء الذي تشعلين فيه شمعة وتغلقين بابكِ على استراحة مع ذاتك… هل تذكرينه؟

اصمت… وإلا كسرتك، فغيرك كثير!

رحل القلم في هدوء بين زملائه، لكنه كان يرمقني بنظرة لا أنساها: مزيج من حب، وشفقة، و… اشمئزاز.

والله ما أردت إيذاءه بكلماتي. أنا فقط… أردت الوحدة.

هو صديقها الوحيد، حين أستعين به نكتب سويًا، أنا وهو والورقة. نحن مثلث الأمل، إن اختل ضلعٌ منه، فقد شكله… سأعتذر له بعد أن أهدأ.

هل كنت أهدأ دونه؟

لكنه كثير الكلام، يظن دائمًا أن نصائحه تدفعني للأمام، بينما أنا… أريد استراحة وسأعود، هو يعلم ذلك، لكنه يخشى الوقت.

نظرت إلى الورقة، بعد محاولات بائسة عليها، وقلت:

ما دورك؟ أما تقولين شيئًا؟

بلى، أخشى إن نطقتُ حرفًا لم يعجبكِ، أن يكون مصيري سلة المهملات.

ألهذا الحد أنا قاسية؟

أنا فقط حزينة…

أليس من حقي أن أغضب؟ أن أهرب من العالم؟

ممن تهربين؟

قالها القلم وهو يخطو نحوي بثقة هادئة تخيفني.

وقف بين أصابعي وقال:

اكتبي، حتى وإن بدا ما تكتبينه بلا فائدة… الورقة متأهبة، لكنها تخشى الهلاك، وأنا أخشى كل شيء… إلا صداقتك.

كتبتُ… وأنا لا أعلم ماذا أكتب.

ظهرت تلك الطفلة الصغيرة… تبكي، وكأنها فقدت شيئًا مهمًا.

سألتها، فأشارت إلى نفسها.

لم أفهم.

كررت السؤال، وكررت الإشارة… ثم رحلت.

عدتُ أدراجي، غارقة في أفكاري، نراها جميعًا في خيالٍ مُرهَق.

القلم صمت، ونام بجوار إصبعي، دمعة من عينه البنية الجميلة سقطت على الورقة، فبلّلتها، وما زلت لا أرى سوى شخبطة… ودموع.

رفعت الورقة بين يديّ، كانت مرتجفة كقلبي.

مسحت الدمع عنها، كأنني أمسح حزن صديق…

ونظرت إليها طويلًا، وهمست:

شكرًا لأنكِ احتملتِ شتاتي.

همس القلم في خفة: هذا أول حرف من الهدوء.

ابتسمتُ ابتسامة خفيفة، بلا سبب واضح، فقط لأن الورقة لم ترمِني… ولأن القلم، رغم كسري له، عاد لي.

ولأول مرة منذ وقت طويل، شعرت أنني لست وحدي

في لحظة صمت، امتدت يدي للقلم من جديد…

ترددتُ.

ثم أمسكته بخفة، كما لو كنت أعتذر له بصمتي، وكتبت أول حرف يشبه نبضًا…ارتعشت الورقة… لكنها لم تتمزق.

نظرتُ حولي، لا أحد…

إلا أنا، والقلم، وورقة ما زالت تنتظر.

وربما… كنتُ أنا أيضًا أنتظر.

شيئًا لا أعرفه.

شيئًا سيأتي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى