الصحة والجمال

متلازمة قلق الاثنين: دليل بيولوجي يكشف تأثيرها على صحة القلب

 د. إيمان بشير أبوكبده

لطالما كان “قلق يوم الاثنين” شعورًا شائعًا، ولكن للمرة الأولى، يكشف العلماء عن مصدر بيولوجي واضح لهذه الظاهرة. دراسة حديثة توضح أن هذا التوتر المرتبط بيوم الاثنين، والذي لا يُلاحظ في أي يوم آخر من أيام الأسبوع، قد يُعرض قلوب بعض الأشخاص لخطر جسيم، بغض النظر عن وضعهم الوظيفي.

توصل باحثون من جامعة هونج كونج إلى أن يوم الاثنين، الذي يمثل بداية أسبوع العمل للكثيرين، يؤثر بشكل فريد على استجابة الجسم للتوتر. يمكن أن يؤدي هذا التأثير إلى مشاكل صحية مزمنة، يمكن قياسها من خلال مستويات الكورتيزول المتبقية في الشعر.

توضح البروفيسورة تاراني تشاندولا من قسم علم الاجتماع بكلية العلوم الاجتماعية بجامعة هونغ كونغ: “تُعد أيام الاثنين بمثابة ‘مُضخِّم للتوتر’ ثقافيًا. بالنسبة لبعض كبار السن، يُحفز هذا الانتقال الأسبوعي سلسلة من التأثيرات البيولوجية التي تستمر لأشهر. الأمر لا يقتصر على العمل، بل يتعلق بمدى ترسخ أيام الاثنين في فسيولوجيا التوتر لدينا، حتى بعد انتهاء الحياة المهنية.”

شملت الدراسة بيانات 3511 بالغًا تتراوح أعمارهم بين 50 عامًا فأكثر، من الدراسة الإنجليزية الطولية طويلة الأمد والمستمرة للشيخوخة (ELSA، الموجة 6، 2012-2013). سجل جميع المشاركين مستويات توترهم في يوم الاثنين خلال جلسات الاستبيان، كما قدموا عينات شعر لتقييم تعرضهم طويل الأمد لهرمونات التوتر، خاصة الكورتيزول والكورتيزون. وبفضل طول العينات (حوالي 2 سم) المأخوذة من فروة الرأس، تمكن الباحثون من قياس محتوى هرمون التوتر على مدى شهرين إلى ثلاثة أشهر.

كما أُخذت في الاعتبار عوامل مثل العمر، والجنس، ومؤشر كتلة الجسم، والتدخين، والأدوية، والوضع الاجتماعي والاقتصادي وتم تعديل النتائج وفقًا لها.

وجد الباحثون أن كبار السن الذين صنفوا مستويات قلقهم يوم الاثنين على أنها الأعلى، كانت لديهم مستويات أعلى بكثير من هرمونات التوتر في عينات شعرهم، مما يشير إلى حالة توتر مزمنة ومستمرة. هذا النمط لوحظ لدى كل من العاملين والمتقاعدين، مما يؤكد أن بداية الأسبوع تحفز استجابة التوتر هذه بغض النظر عن الحالة الوظيفية.

بينما وجدت دراسة سابقة صلة بين أيام الاثنين وزيادة انتشار النوبات القلبية الحادة، تقدم هذه الدراسة أدلة على العملية البيولوجية التي تمهد الطريق لأمراض القلب والأوعية الدموية. الآلية المحددة التي كشف عنها الباحثون تتمثل في خلل على طول محور الوطاء-النخامية-الكظرية (HPA)، وهو أحد أنظمة الاستجابة الرئيسية للتوتر في الجسم. يشكل هذا النظام حلقة تغذية راجعة بين الوطاء والغدة النخامية في الدماغ، والغدد الكظرية التي تفرز الكورتيزول.

في الحالة الطبيعية، ترتفع مستويات الكورتيزول بشكل حاد عند استشعار الجسم لتهديد، ثم تعود إلى مستواها الطبيعي. ولكن إذا استمر خلل تنظيم محور HPA، كما هو الحال في حالات التوتر المزمن واضطراب ما بعد الصدمة، فإن استمرار مستويات الكورتيزول المرتفعة قد يؤدي إلى أمراض القلب والأوعية الدموية، والسمنة، والقلق السريري، وغيرها من الإعاقات الإدراكية.

الأشخاص الذين أفادوا بشعورهم بالقلق يوم الاثنين تحديدًا، كانت مستويات الكورتيزول في شعرهم أعلى بنسبة 23% في المتوسط، مقارنةً بمن أفادوا بالقلق في أي يوم آخر. وبينما تم رصد مستوى معين من الكورتيزول لدى كل من أبلغ عن القلق، وجد الباحثون أن الأشخاص الأكثر توترًا (10% من المشاركين ذوي مستويات الكورتيزول المرتفعة) شعروا بقلق أكبر مع حلول يوم الاثنين.

وفي حين يشعر العديد من الناس بالقلق يوم الاثنين، يبدو أن أولئك الذين يعانون بالفعل من ضغوط فسيولوجية عالية يحملون هذا القلق في بيولوجيتهم، مما يؤدي إلى ارتفاع مستوى الكورتيزول على المدى الطويل.

أشار الباحثون إلى أن “دراسات سابقة أظهرت بعض الأدلة على ارتفاع مستويات الكورتيزول في أيام الأسبوع مقارنةً بعطلات نهاية الأسبوع، على الرغم من عدم تحديد أي منها تأثيرًا محددًا للقلق في أيام الاثنين”. وأضافوا: “بما أن كورتيزول الشعر مقياس متكامل لنشاط محور HPA خلال الأشهر القليلة السابقة، فإن هذه الدراسة لم تتمكن من تحديد ما إذا كانت مستويات الكورتيزول أعلى في أيام الاثنين. بل كشفت هذه الدراسة عن وجود علاقة بين مشاعر القلق المُبلغ عنها في أيام الاثنين والمستويات المفرطة من إنتاج الجلوكوكورتيكويد.”

هناك حاجة إلى مزيد من البحث لتحديد ارتفاعات محددة في الكورتيزول يوم الاثنين. ومع ذلك، تُقدم هذه الدراسة استجابة بيولوجية واضحة لقلق يوم الاثنين الذي يشعر به كبار السن بغض النظر عن وضعهم الوظيفي. كما تمهد الطريق لاستهداف القلق، خاصةً لمن هم في الفئة الأكثر عرضة للخطر، والذين يعانون من ضغوط مزمنة وارتفاع في مؤشرات الكورتيزول، والذين قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بمشاكل صحية خطيرة نتيجة لذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى